للإعلان
Non classé

أنطلاق الإنتخابات الرئاسية في الجزائر : ساعة الحسم و رهان على نسبة المشاركة

يتجه اليوم أكثر من 24 مليون ناخب جزائري إلى مراكز الاقتراع للإدلاء بأصواتهم لانتخاب رئيس للجمهورية لعهدة تمتد لخمس سنوات. تمثل رئاسيات هذا العام، الثانية في عهد ما بعد الحراك، تلك الانتفاضة الشعبية السلمية التي أحدثت صدى كبيرًا في العالم العربي وأفريقيا، حيث هب الجزائريون مدفوعين برغبة قوية في التجديد وإحداث قطيعة مع النظام القديم.

Mf

كتبه | هبة نوال و أ.زكريا


تمثل هذه الانتخابات المبكرة، بغض النظر عن الفائز فيها، تحديًا هائلًا للرئيس المنتهية ولايته، عبد المجيد تبون، الذي يسعى للحصول على ولاية ثانية. فقد واجه في عهدته الأولى سلسلة من الأزمات الدولية والإقليمي كان عليه إدارتها : ، جائحة كوفيد-19، اضطرابات اقتصادية وطاقوية، بالإضافة إلى نزاعات مسلحة في عمق البلاد الإستراتيجي. فهذا الموعد الانتخابي له أهمية قصوى لأكبر دولة في إفريقيا، التي تسعى جاهدة لاستعادة استقرارها السياسي والاقتصادي، مع استعادة مكانتها كدولة محورية في المنطقة.

ورغم اختلاف مساراتهم ورؤاهم السياسية، إلا أن المترشحون الثلاثة يتقاسمون التزامًا مشتركًا وهو تقوية المكانة الإقتصادية و السياسية على الساحة الإقليمية والدولية في إطار سيادة كاملة. تعهد لا يخلو من المصاعب أمام 24 مليون ناخب، يمثلون ما يقرب من نصف السكان، أزيد من 40% منهم تحت سن 25. شباب ما فتئ يعلي من سقف شروطه وشغوف بالإلمام بالقضايا العالمية وتأثيرها على حياته اليومية. هذه الديناميكية الشبابية، المتعطشة للتغيير، مستعدة لجعل صوتها مسموعًا.

وشكلت هذه الحقيقةهاجسا كبيرا خلال الحملة التي هيمنت عليها البرامج والوعود اقتصادية البحتة، حيث كانت الأرقام والمقارنات حاضرة باستمرار، ميز تها النقاشات الحماسية والخطب الملتهبة طيلة أسبوعين من الحملة، مما يدل على إرادة جماعية للتغيير يتخللها جس للنبض المتبادل بين الناخب و المترشح . فالكل يعي أن التحدي الأكبر كان نسبة المشاركة، التي من ِانها تعزيز شرعية الإصلاحات الداخلية وإعادة تعريف التحالفات في عالم يتغير بشكل عميق وغير متوقع.

المترشحون هم يوسف أوشيش، الأمين العام لجبهة القوى الاشتراكية، وهو حزب يساري تقدمي؛ والمترشح الحر عبد المجيد تبون، الرئيس المنتهية ولايته؛ والمترشح عن حركة مجتمع السلم، ذو التوجه الإسلامي، حساني الشريف.

ولد يوسف عبد المجيد تبون في 17 نوفمبر 1945 في مشرية، وقد شهدت مسيرته التعليمية اضطرابات بسبب الاضطهاد من قبل الاستعمار الفرنسي بسبب نشاطات ولده مع جمعية العلماء المسلمين. وبعد أن أنهى دراسته بنجاح، ارتقى في السلم الإداري الجزائري، حيث شغل منصب والي في ولايات مختلفة، وأشرف على عدة وزارات حتى أصبح رئيسا للحكومة في 2017. بعد فترة من الغياب السياسي إثر خلافات مع وجوه مهيمنة في النظام السابق أثناء فترة مرض الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، عاد إلى الساحة بعد الحراك الشعبي السلمي في 2019، وتم انتخابه رئيسًا للجمهورية في 12 ديسمبر من نفس العام.

يوسف أوشيش، البالغ من العمر 41 عامًا، مرشح جبهة القوى الاشتراكية، وهو أقدم حزب معارض في البلاد، كان يقوده الراحل حسين آيت أحمد، شخصية تاريخية وثورية تحظى باحترام الجزائريين. يوعرف أوشيش بديناميكيته، حيث يجسد صوت الشباب الديمقراطي والتقدمي. ويتقدم ببرنامج انتخابي بعنوان “رؤية للغد“. ويعد يوسف أوشيش لاعبًا رئيسيًا في الحزب منذ حياته الطلابية. يتمتع بكاريزما ورؤية جريئة، تعكس تطلعات جيل يتطلع إلى التغيير.

وتعود جبهة القوى الإشتراكية للمرة الثانية من أجل التنافس على كرسي الرئاسة. كانت آخرها سنة 1999 التي عرفت 6 متنافسين لبوتفليقة من بينهم حسين آيت أحمد الزعيم الروحي للحزب.

أما حساني شريف، فهو مرشح حركة مجتمع السلم، أحد أكبر الأحزاب الإسلامية في الجزائر، والذي كان له دور كبير في استعادة الاستقرار للبلاد خلال العشرية السوداء تحت قيادة رئيسه الراحل عبد الحفيظ نحناح، المعروف باعتداله وذكائه السياسي.

وأتى ترشيح حساني شريف في ظل تغييرات كبيرة داخل الحركة، ويواجه تحدي تجديد حزبه على الساحة السياسية كما كان عليه في السنوات الماضية. شعار حملته، “فرصة“، يتناغم مع تطلعات الناخبين الذين يرغبون في رؤية تغييرات ملموسة.

ويتفق المراقبون على أن الحملة الانتخابية لهذا العام جرت في جو من الهدوء، على عكس التوترات الملحوظة في عام 2019 التي كان يسودها التوتر والتدخلات الخارجية وحالة عدم الاستقرار، مما يدل على نضوج سياسي متزايد قد يعيد النشاط الحزبي والسياسي بعد التشريعيات. وتجري رئاسيات اليوم تحت مراقبة كبيرة من الملاحظين المحليين والدوليين، خاصة في رهان نسبة المشاركة التي تعد معيارًا لمدى انخراط المجتمع في العملية السياسية، وكذلك تزكية للإصلاحات الجارية حتى الآن.

كيف يتم تنظيم عملية اقتراع ل 24 مليون ناخب على مساحة بحجم قارة ؟

وحسب الأرقام التي قدمتها السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، فإن الهيئة الناخبة تحصي 24.351.551 مسجلين، من بينهم 23.486.061 ناخب داخل الوطن، موزعين على 47% نساء و53% رجال، فيما بلغت نسبة المسجلين أقل من 40 سنة 36%.

يبلغ عدد مكاتب التصويت المسخرة لهذا الموعد الانتخابي قرابة 63 ألف مكتب، بينما يصل عدد المؤطرين إلى نحو 500 ألف مؤطر.

بالنسبة لأفراد الجالية الوطنية بالخارج، فقد انطلقت عملية التصويت يوم الاثنين الماضي، بهيئة ناخبة تضم 865.490 ناخب (45% نساء و55% رجال)، فيما بلغت نسبة الذين تقل أعمارهم عن 40 سنة 15.43%.

تؤطر السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات الهيئة الناخبة في الخارج عبر 117 لجنة موزعة على 18 لجنة في فرنسا، 30 لجنة في باقي الدول الأوروبية، 22 في الدول العربية، 21 في الدول الإفريقية، و26 في آسيا وأمريكا.

تتواصل عملية الاقتراع بالنسبة للجالية الوطنية المقيمة بالخارج في ظروف تنظيمية محكمة، حيث شهدت مكاتب التصويت في العديد من الدول تجاوبًا وإقبالًا ملحوظًا من مختلف فئات الجالية الوطنية، لاسيما الشباب والطلبة الذين يتابعون دراستهم بمختلف الجامعات في الخارج.

لهذا الغرض، سخرت المصالح الدبلوماسية والقنصليات الجزائرية الإمكانيات المادية والبشرية اللازمة لضمان إجراء الاقتراع في أفضل الظروف، وبالتالي إنجاح هذا الاستحقاق الرئاسي. كما انطلقت الأربعاء الماضي عملية الاقتراع عبر المكاتب المتنقلة الخاصة بالسكان البدو الرحل والقاطنين في المناطق النائية بولايات الجنوب.

تخص هذه العملية 116.064 ناخب مسجل عبر 134 مكتبًا في 51 بلدية موزعة على 16 ولاية.

قامت مندوبيات السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات على مستوى الولايات التي جرى فيها تقديم التصويت بتوفير كافة الشروط المادية والبشرية لضمان سير العملية في ظروف حسنة، حيث كانت قوافل المكاتب المتنقلة قد انطلقت في وقت سابق نحو المناطق النائية لتمكين هؤلاء الناخبين من الإدلاء بأصواتهم.

تم تحديد تواريخ تقديم موعد الاقتراع على مستوى المكاتب المتنقلة، حيث تراوحت عملية التقديم بين 72 ساعة و24 ساعة قبل موعد الاقتراع.

هذا وتم تسخير أطقم من المؤطرين لتسيير عملية التصويت بهذه المكاتب المتنقلة مع توفير كافة الإمكانيات الضرورية، بما في ذلك سيارات رباعية الدفع لصعوبة المسالك التي تتميز بها تلك المناطق النائية في الجنوب، إلى جانب تمكين المراقبين وممثلي المترشحين الثلاثة من متابعة العملية الانتخابية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى