للإعلان
Non classé

“هيا نجعل أمريكا أقلّ عنجهية مرّة أخرى…”

لم يعد بمقدور أمريكا السيطرة على النظام العالمي بعد الآن حسب فوريين بولسي!!

المفهوم المثير للجدل عن طالعالم المفتوح”، الذي تدافع عنه ربيكا ليسنر وراب-هوبر ادخل الجميع في قلق ملموس لمجرد التفكير في عالم بدون العم سام. لا يمكن لأحد أن ينكر أنه على مدى قرن من هيمنة الصور النمطية والسردية الهائلة، شكلت أمريكا ببراعة هذا العالم على صورتها، تاركة أثرًا لا يمحى على رقعة الشطرنج العالمية. الآن، حان الوقت لواشنطن لتتكيف مع العالم الجديد بالتخلي عن فكرتها “المسيانية” ووهم أبدية الهيمنة. فماذا لو أصبحت أمريكا قوة توازن بدلامن قوّة توتر؟

MF

أ. زكريا | ترجمة- نورهان ملك – المصدر – فوريين بوليسي


نيويورك | أن لم تكن مناورة من الديمقراطيين لجذب أصوات اليمينيين المترددين أو امتصاص الغضب تجاه سياسات واشنطن خاصة تجاه الحرب في أكرانيا و حرب الإبادة ضد الفلسطينيين، أوحى محلّلون في مجلة “فورين بوليسي” المرموقة، أن الرئاسة المحتملة لكامالا هاريس قد تؤدي إلى تحول حاسم في نهج الولايات المتحدة تجاه الساحة الدولية. الجيل الشاب من المستشارين الديمقراطيين في مجال الأمن، يعتبرون أن الولايات المتحدة قد تقلل من تدخلاتها العالمية، خاصة إذا تم تعيين مستشاري الأمن القومي الأمريكي، فيليب غوردون وريبكا ليسنر.

خلال فترة ولايتها، غالبًا ما نقلت نائبة الرئيس كامالا هاريس أفكار جو بايدن، متبنية رؤية الهيمنة كشرطية، ميزت الرئاسات الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية. ففي خطاب ألقته العام المنصرم ، ذكرت عبارة محبوبة لدى بايدن: “أمريكا القوية لا تزال ضرورية للعالم.” ومع ذلك، إذا تم انتخاب هاريس في نوفمبر، فقد تُحرم الولايات المتحدة من وضعها كقوة تتحكم في النظام الدولي ألى قوة أكثر تواضعًا، وفقًا لتفكير مستشاريها الرئيسيين، كما أفادت هاته المجلة المقرّبة من وزارة الخارجية الأمريكية.

أمريكا حسب النسور الجدد للدبلوماسية الأمريكية

ريبيكا ليسنر و وراب هوبر

يرسم فيليب غوردون وريبكا ليسنر في كتاباتهم، معالم نهج جديد حيث تعترف واشنطن بأخطائها السابقة وتقلل من طموحاتها. وتدعو ليسنر، – في كتاب “عالم مفتوح: كيف يمكن لأمريكا أن تفوز في صراع النظام في القرن الحادي والعشرين”، الذي شاركته مع عضوة أخرى في إدارة بايدن-، بشكل صريح إلى أن تتخلى الولايات المتحدة عن الهيمنة الاستراتيجية و”النظام الدولي الليبرالي الذي أصبح متقادمًا بعد الحرب الباردة”.

اليوم،يبدو أن ألأمريكيون سلموا بأن الفجوة التقليدية بين اليسار واليمين قد تلاشت. كما أشار فريد زكريا في كتابه “عصر الثورات”، فحسب هذا الخبير فإن المعركة الحقيقية تدور الآن بين أولئك الذين يدعون إلى أمريكا مفتوحة على العالم وأولئك الذين يطمحون الإنغلاق او السياسة الأنعزالية التي سبقت فترات الولايات المتحدة قبل القرن العشرين.

وليس من المستغرب أن شخصيات تقدمية، كانت في السابق متوجسة تجاهه قد أضحت تبجل الممثل التجاري السابق لترامب، روبرت لايتهايزر، بسبب سياساته الضريبية. في كتابه “لا تجارة مجانية” فلاتهايز يكرم قادة النقابات، وهو أمر نادر في الولايات المتحدة.

هل النظام الدولي حقًا قديم كما يدعي المستشارون الشباب للحزب الديمقراطي؟

يبدو أن ليسنر وراب-هوبر قد حددوا ساحة معركة حاسمة: “إذا تمكنتا من الحفاظ على درجة معينة من الانفتاح، قد نتمكن واشنطن من إنقاذ بعضا من بقايا نظام قديم”، كما أكدتا.

وأشارتا إلى أن الانفتاح لا يغطي جميع القضايا الاستراتيجية الأمريكية. فحسبهما لا زالت التهديدات مثل انتشار الأسلحة النووية، والأوبئة، أو الإرهاب، تشكل ضغطًاو خطرا على المصالح الحيوية للولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن “دوائر التأثير المغلقة”، سواء كانت إقليمية أو قطاعية،أصبحت تمثل خطرًا كبيرًا على الأمن والازدهار الأمريكيين، لأنها تقوض التعاون الدولي. و تعتبر هذه الرؤية تقرب واضح و غير مسبوق من خطابات دول ما يسمى الجنوب الكبير.

تحدٍ آخر ولكن لايقل أهمية و هو ما ذكرته ليسنر وراب-هوبر وأن حتى الأمريكيون أنفسهم لم يعودوا يفهمون هذا النظامز وتشرح المستشارتان ذلك ب “أن الولايات المتحدة قد تكون قد فقدت قدرتها على إدارة النظام الدولي الذي أنشأته بنفسها. كام أن الفجوة المتزايدة بين تعقيد هذا النظام ومستوى فهم الجمهور الأمريكي، التي تفاقمت بسبب التعليم المتدهور والمؤسسات السياسية غير الفعالة، تثير التساؤلات مما جعل الأمريكيين أقل قدرة على فهم كيفية عمل التجارة الحرة العالمية ودور التحالفات العسكرية في أمنهم… لقد تآكل تعاطفهم مع هذا النظام بشكل كبير.

ولا يستبعد أن تعيق لاستقطابات الداخلية أيضًا الحلول المقترحة من قبل ليسنر وراب-هوبر. بما خص أقتراح “توظيف القطاع الخاص لخدمة المصلحة الوطنية” وتقريب القطاع التكنولوجي من دوائر القرار المركزية بواشنطن. فقد أوصتا بترقية مكتب السياسة العلمية إلى مرتبة مجلس التكنولوجيا الناشئة الوطني، تمامًا مثل مجلس الأمن القومي. ومع ذلك، غالبًا ما يسعى أرباب التكنولوجيات الجديدة إلى الابتعاد عن واشنطن، باستثناء بعض التحالفات غير المتوقعة مثل تلك بين إيلون ماسك ودونالد ترامب. ويبقى السؤال المركزي: هل النظام الدولي حقًا قديم كما تدّعي ليسنر وراب-هوبر؟

على الرغم من أنه يصعب نكران المشاكل المستمرة، مثل تزايد عدم فعالية منظمة التجارة العالمية، يبدو أن بعض حجج مستشاري كامالا، متجاوزة. في الواقع، تظهر الصين، التي لطالما أعتبرت نموذجًا لـللإستبداد التكنولوجي”، علامات على الركود تحت رئاسة شي جين بينغ، الذي يدعو الآن إلى مزيد من الاستثمارات الأجنبية بعد الإنغلاق.

ستتطلب هذه المقاربة التوافق مع الأنظمة الاستبدادية و”غير الليبرالية”، يقول غوردون في هذا الشأن، مع التخلي عن الحملات الإيديولوجية. الهدف من ذلك هو الحفاظ على تجارة مفتوحة وتعزيز التعاون بشأن الرهانات الحيوية مثل تغير المناخ وتقنين الذكاء الاصطناعي. باختصار، تدعم ليسنر وراب-هوبر أن سياسات “الاحتواء” والهيمنة يجب أن تُستبدل بأهداف أكثر تواضعًا متمثلة في ضمان “الصالح العام العالمي المتاح” تلعب الولايات المتحدة فيه دورًا أساسيًا كقوة عظمى “ضرورية” تضمن نظاما مفتوحا.

ولقد أجبر غزو أوكرانيا من قبل فلاديمير بوتين في عام 2022 واشنطن على استعادة دورها القديم شرطي العالم، خاصة في الوقت الذي يحتد فيه التنافس بين الاتحاد الأوروبي وروسيا اقتصاديًا. كما يشير تقرير من مؤسسة كارنيغي، كانت استجابة الإدارة لهذه الأزمة هي توسيع الدور الأمني للولايات المتحدة في أوروبا لا غير، مما أنشأ وضعًا جديدًا.

ومن جهة أخرى أدت الوضعية في الشرق الأوسط، بعد هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، إلى أنتشار عسكري أمريكي كبير، حيث أرسل بايدن حاملات الطائرات والغواصات إلى البحر الأبيض المتوسط للدفاع عن حليفه في المنظظقة.

“نحن بلا ادنى شك، في عصر مناهض للتدخل، حيث ستفضل واشنطن، بغض النظر عن الرئيس، الانسحاب من الصراعات العالمية. إذا وصلت كامالا هاريس إلى الرئاسة، فقد تلعب شخصيات مثل غوردون وليسنر دورًا رئيسيًا. وسيكون غوردون، مترددًا في إعادة هيكلة دور الأمن الأمريكي بشكل جذري، بينما ستكون ليسنر، المؤثرة في صياغة استراتيجية بايدن، جزءًا من فريق هاريس لتشكيل سياسة الغد.

فيلب غوردون

ويكمن إرث بايدن، فقد يكمن في محاولته التنقل تارة بين كونه شرطي العالم والعصر، والاعتدال تارة أخرى. كما سعى إلى تحقيق توازن بين الإجماع العالمي القديم وحماية ما بنيته أمريكا لحد الآن، كما تشرح في “فورين بوليسي” جيسيكا ت. ماثيوز، خبيرة في السياسة الخارجية، التي تشير إلى أن بايدن قد تخلى عن وهم “اللحظة الأحادية القطبية” بعد الحرب الباردة، مؤكدًا أن الولايات المتحدة يمكن أن تكون منخرطة عالميًا دون اللجوء إلى الهيمنة.

ومع ذلك، من غير المؤكد وفي ظل الأزمات المستمرة في أوروبا والشرق الأوسط، وربما في شرق آسيا مع قضية تايوان، أن تتمكن الولايات المتحدة حقًا من الانسحاب، حيث لا يبدو أن أي قوة عظمى أخرى مستعدة لتولي المسؤولية.

نهاية وهم الهيمنة الأبدية…

يشارك فيليب غوردون هذه الرؤية في التغيير. في كتابه “خسارة اللعبة الطويلة: الوعد الزائف لتغيير النظام في الشرق الأوسط”، الذي حلل فيه المحاولات الفاشلة للولايات المتحدة في هذه المنطقة على مدى 70 عامًا، بدءًا من الإطاحة برئيس الوزراء الإيراني السابق محمد مصدق، الذي نظمته وكالة الاستخبارات المركزية CIA.

ومع “مع تلاشي لحظة أحادية القطبية، تتلاشى أيضًا الأوهام بشأن قدرة الولايات المتحدة على تشكيل نظام أحادي الجانب”، كما تؤكد ليسنر وراب-هوبر. وتصر الخبيرتانفي هذا الصدد على أن الحفاظ على دور القيادة الدولية دون الاعتماد على الهيمنة كأساس لمهمة “الليبرالية المسيانية” يتطلب تغييرًا جذريًا. تبتعد فيه هذه الاستراتيجية، عن مفاهيم الشمولية الليبرالية ما بعد الحرب الباردة واستراتيجيات “الاحتواء”.

ويشارك فيليب غوردون هذه الرؤية من خلال كتابه “خسارة اللعبة الطويلة: الوعد الزائف لتغيير النظام في الشرق الأوسط”،الذس يحلل فيه المحاولات الفاشلة للولايات المتحدة في هذه المنطقة على مدى 70 عامًا، بدءًا من الإطاحة برئيس الوزراء الإيراني السابق محمد مصدق، الذي نظمته وكالة الاستخبارات المركزية.

يبرز غوردون أن، على الرغم من أن أفغانستان تقع تقنيًا في آسيا الوسطى، إلا أنها تنتمي إلى سلسلة من التدخلات الفاشلة في مصر والعراق وإيران وليبيا وسوريا. ويحدد نمطًا متكررًا: “الإطاحة تفشل كل مرة تقريبًا ويبدو أن صناع القرار الأمريكيين يتجاهلون دروس الماضي باستمرار”.

كيف وقعت واشنطن في فخ راحة التكرار؟

يشير غوردون إلى أنه، على الرغم من تنوع الحلقات، فإن تاريخ تغيير الأنظمة في الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الثانية يتميز بأنماط متكررةو نتشابهة. فعالبا ما قلل صناع القرار من التحديات المرتبطة بالإطاحة بنظام، ورفعوا من تهديدات الولايات المتحدة، وأعلنوا النصر في وقت مبكر جدًا وقبل أوانه، دون توقع الفوضى التي ستتبع ذلك. وقدكلفت هذه الأخطاء، مليارات الدولارات و أزهقت العدد الكبير من الأرواح الأمريكية.

وقد يجادل بعض النقاد، بما في ذلك المحافظون الجدد، بأن بعض عمليات تغييرت النظام كانت ناجحة، كما في ألمانيا واليابان بعد الحرب، إلا أن غوردون يفسر أن حالتي ألمانيا واليابان كانتا استثناءا مرتبطا بظروف محددة. ويحذر من أنه لولا تأثير الحرب الباردة، لكانت لتلك الحالتين تطورات أخرى.

اليوم، لا تزال إيراتمثل ، تهديدًا مستمرًا، وفقًا لدراسة للجيش الأمريكي. وقد كشفت هذه الدراسة أن “إيران المدعومة والموسعة تبدو وكأنها “الفائز الوحيد” من غزو العراق. لقد أضعفت الخيارات السياسية الخاطئة شرعية الولايات المتحدة كمراقب عالمي، مما أدى إلى انسحاب يُنظر إليه على أنه مذعور.

نحو نموذج جديد

كما يشير ديفيد كيلكولين في كتابه “التنانين والثعابين: كيف تعلم الآخرون محاربة الغرب“، فإن صعود التحديات للهيمنة الأمريكية مرتبط بعجز الولايات المتحدة عن تحويل الانتصارات العسكرية إلى نجاحات استراتيجية. فقد شهد العقدين الماضيين تعثر القوة العظمى في حروب لا نهاية لها، بينما يزدهر منافسوها. وبالتالي، ينهار النظام الدولي بعد الحرب، كما تم تصوره، بينما تعلن بكين وموسكو أن الهيمنة الأمريكية لم تعد مقبولة.

ولقد زادت هذه الإخفاقات أيضًا من الانقسامات داخل السياسة الأمريكية، مما أدى إلى استنتاج ليسنر وراب-هوبر أن القيادة التقليدية للولايات المتحدة لم تعد قابلة للاستمرار.

وباختصار، لم تؤدي هذه الأخطاء السياسية إلى تشويه سمعة المؤسسة في واشنطن فحسب، بل فتحت أيضًا الطريق لحركات مثل “الإنعزالية الجديدة” لدونالد ترامب، مما يوضح أن تجاوزات الأجندة الأمريكية ساهمت بشكل كبير في فقدان الثقة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى