بقلم | فاروق صدراتي
تشهد الجزائر مؤخرا العديد من التحديات والرهانات وأهمها الموارد المائية، خصوصا السنوات الأخيرة، وذلك على خلفية تراجع منسوب مياه العديد من السدود، مع قلة تساقط الأمطار وشحها. في المقابل ما يتعلق بالنمط والسلوك الاستهلاكي للمواطن الجزائري غير الرشيد لهذا المورد. هذا الأخير ساهم بدوره في تعقيد وتعميق تحدي الوصول إلى سياسات راشدة تحول دون تفاقمها وتحولها إلى مشكلة يٌستعصى حلّها والتحكم فيها مستقبلا.
الجزائر حاليا تملك حوالي 14,4 مليار متر مكعب من الموارد المائية القابلة للتجديد كل سنة، وهي متمركزة أساسا في الشمال، حسب إحصائيات وزارة الموارد المائية في الجزائرية. هذه الكميات المعتبرة من المياه منها 11,4 مليار متر مكعب هي مياه سطحية تتمثل أساسا في مياه السدود التي تم انجازها في الجزائر والتي يفوق عددها 114 سداً منتشرة عبر تراب الجزائر، هناك 52 منها مصنفة كسدود كبيرة تفوق قدرة الواحد منها مليون متر مكعب ويبلغ مجموع طاقتها الاستيعابية 2,5 بلايين متر مكعب، أكبرها سد بو هارون (بليون متر مكعب) في ميلة شرق العاصمة. ومن بين هذه السدود الكبيرة 15 سداً متضرراً بشكل كبير جراء التوحل. وبلغ حجم الطمي المترسب في مجموع هذه السدود 900 مليون متر مكع حسب احصائيات قديمة.
ماهي ظاهرة توحل السدود؟
توحل السدود أو الموانئ ظاهرة طبيعية لكنها في الجزائر مشكلة حادة، خاصة أنها قبعت لسنوات دون متابعة، بالأخص سنوات الإرهاب أين كان التوصل إلى بعض السدود لمعالجتها أمر شبه مستحيل. اذ يتراكم الطمي في غياب الصيانة مقلصاً القدرة الاستيعابية للسد بنسب رهيبة ومهدداً بكوارث أحياناً. فما تكون هذه الظاهرة وما هي انعكاساتها؟ ؟كما أن التوحل ليس وحده من يهدد السدود، فالى جانبه يوجد التبخر التي لم تتناولها اي دراسة ميدانية، على رغم ضياع 250 مليون متر مكعب كمعدل سنوي، وهي كمية تكفي لملء سد كبير.
وما يزيد الطين بلة لمسة الإنسان فالظاهرة تطفو لسطح الأحداث كلما شحت السماء ماءا وتختفي كلما امطرت، في تهرب صارخ عن المسؤوليات دام لعشريات طويلة كادت ان ترتهن بها سيادة الجزائر المائية.
وكشفت تقارير رسمية عن تراجع في منسوب مياه السدود، إذ لم تتجاوز نسبة امتلائها على المستوى الوطني الـ %44,52، فيما بلغت النسبة في بعض السدود الكبرى إلى ما دون الـ 26 %، في الغرب و 1%6 بالشرق الجزائري، في وقت تقدر النسبة الطبيعة لامتلاء السدود خلال النصف الأول من فصل الشتاء بنحو 55 إلى 60 في المئة.
من الطاقة الإجمالية للسدود الثمانين الموجودة في الجزائر، والتي تتجاوز 7 مليارات متر مكعب، يبلغ حجم الطمي حوالي 1.2 مليار متر مكعب، أي بمعدل 13٪.
وحسب أحد الباحثين، وبخصوص نسب توحل السدود فقد تصل حتى 20بالمئة توحل، فعوض أن تكون هذه النسبة مياه تتحول إلى وحل، وهذه الأوحال تسبب مشاكل كبيرة ممكن أن تهدد حتى السد بالانهيار وكذلك تقلل من نسبة الاستيعاب وتساهم في نمو الطحالب فيها، الأمر الذي يغير من نوعية الماء ويصعب معالجتها قبل استعمالها.
وتختلف هاته الظاهرة من منطقة الى أخرى بحسب التضاريس وعوامل أخرى. كما يعتبر سد إغيل عمدة بخراطة مثالا حيا عن خطورة الظاهرة. السد الذي يبعد نحو 300 كيلومتر شرق العاصمة الجزائر هو من السدود المهمة في البلاد، بقدرة الاستيعابية نحو 150مليون متر مكعب، تناقصت لاحقاً لتصل الى 100 مليون متر مكعب حالياً بسبب تراكم 50 مليون طن من الطمي جراء التوحل.
دراسات في قاع الأدراج كالوحل في قاع السدود
ورغم توصل العديد من الباحثين الجزائريين لحلول لهذا المشكل إلا أن ابحاثهم لم تلق رواجا في الجزائر آنذاك، رغم الاعترافات الدولية. وهنا لا بد من الإشادة بالبروفسور رميني بوعلام، الحاصل على الجائزة الثانية في مسابقة نظمت في أوروبا لاختيار أحسن دراسة تتناول مشكلة توحل السدود سنة 2007.
وقاية السدود من خطر التوحل تبدأ حسبه، من حوض التغذية (قبل السد) بنصب حواجز على ضفتي الوادي المؤدي الى السد، تكون متباعدة بالتساوي وغير متقابلة. ويجب تزويد السد بعدد من الصمامات، على أن يتم قياس تركيز الماء داخل السد كل ساعة انطلاقاً من غرفة التشغيل. فإذا كان وزن المتر المكعب من الماء 1000 كيلوغرام للمتر المكعب، يكون الماء صافياً وليس هناك تيار كثافي ولا طمي. أمّا إذا كانت النتيجة 1010 كيلوغرامات أو أكثر، فهذا معناه وجود تيار كثافي، وعندئذٍ يتم فتح أحد الصمامات، ليزداد عدد الصمامات تدريجياً مع زيادة التيار الكثافي، وبهذا يتم تفادي دخول كميات معتبرة من الطمي.
ولا يجوز بأي حال من الأحوال فتح كل الصمامات دفعة واحدة، كي لا يؤدي ذلك الى إهدار كميات كبيرة من المياه، فلا ندري ماذا تخبئ السماء غداً.
هذا الحل لم يلقَ استحسان بعض أصحاب القرار في الجزائر، إذ رأوا فيه ضياعاً للمياه المحتجزة. لكنهم ربما لا يدركون ان عدم تنفيس السد تقابله اخطار عدة، منها: زيادة كمية الطمي المترسبة داخل السد، وفساد نوعية المياه ونمو الطحالب داخله، وحتى تعذر فتح صمام التفريغ الرئيسي بعد تراكم الطمي فوقه.
تسربات المياه تصل ما بين 30 و40 بالمائة
كما أن مشكلة أخرى تمس بالأمن المائي الجزائري وهي التسربات، إذ لدينا شبكة توزيع وطنية مهترئة جدا وقد تم في بعض الدراسات تحديد أكثر من ثلاثين بالمائة من المياه تأخذ طرقا أخرى غير الحنفيات للأسف وتكلف خزينة الدولة المليارات وتكلف المواطن مشاكل وجفاف في الحنفيات، فأغلب البلديات في الجزائر تعاني من مشكل التزود من مياه الشرب، وهذا بفعل التسيير غير المحكم والمنظم.
في المقابل، هناك بعض الإحصائيات تقول إنه يتم تضييع ثلاثة ملايين متر مكعب في اليوم أي خمسة عشر بالمائة من الإنتاج الوطني، وهذا شيء كبير جدا، كذلك مشكل آخر هو الاستهلاك بالنسبة للمواطن والمؤسسات أو التجار أو الفنادق.
لذلك فالاستهلاك غير العقلاني لهذه المادة وغير المدروس، من تبذير في البيوت عن طريق الغسل والاستحمام وغسيل السيارات، فإن كل هذا من خلال مياه صالحة للشرب وهو مشكل كبير جدا، كذلك مشكلة الينابيع غير المحمية والتي لم يتم فحصها وقد تؤثر على الصحة العمومية…الخ.
لذلك، فالعمل التي باشرت به الحكومة الجزائرية حاليا فيما يخص المياه بصفة عامة، وبصفة خاصة ما تعلق بوحل السدود وشح الأمطار والنمط غير العقلاني، هو في الغالب يشمل ثلاث محددات أو مستويات: المحدد الطبيعي، المحدد المؤسساتي، المحدد السلوك. وهذا ما خصص حوله الاجتماع الأخير لمجلس الوزراء فصلاً كاملاً لأزمة المياه وشح الأمطار، إذ تم رسم مخطط استنفار عاجل بمصالح الداخلية والموارد المائية والفلاحة والصناعة والبيئة بهدف سن سياسة جديدة لاقتصاد المياه الوطني والحفاظ على الثروة المائية الجوفية.