لماذا قررت الجزائراعتماد الإنجليزية في التعليم الابتدائي بدلا من الفرنسية؟
خطوة حاسمة نحو تطليق الفرنسية
يبدو أنه لم يقنع الرئيس تبون الذي ذهب إلى حد أبعد باعتماد الأنجليزية في التعليم في سن جد مبكر حيث أمر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، خلال ترأسه الأحد اجتماعا لمجلس الوزراء، باعتماد اللغة الإنجليزية بدءا من الطور الابتدائي، ووفق بيان الرئاسة فأن القرار أتى على ضوء “دراسة عميقة للخبراء والمختصين”.
وأوضح بيان اجتماع مجلس الوزراء أنه “بهدف تثبيت تعليم اللغة الإنجليزية ابتداء من السنة الثالثة, أمر السيد الرئيس بفتح تخصص أستاذ التعليم الابتدائي للغة الإنجليزية بالمدارس العليا, فورا, للموسم الجامعي 2023 ـ 2024”.
كما أمر الرئيس تبون –يضيف البيان– بالتوظيف “فورا” لحاملي شهادتي الماجستير والدكتوراه وفق مقترح وزير التعليم العالي والبحث العلمي, المصادق عليه في مجلس الوزراء السابق.
وو سيشمل القرار الذي يعد مطلبا شعبيا و وعدا من وعود الرئيس الجزائري جيلا كاملا أذ تعتبر الجزائر من البلدان ألأكبر قاريا من حيث عدد المتمدرسين بأكثر من 10 ملايين تلميذ، من بينهم قرابة 6 ملايين منتسب إلى المرحلة الابتدائية التي تمتد من السنة الأولى إلى السادسة، يدرسون حاليا الفرنسية لغة أجنبية وحيدة بداية من العام الدراسي الثالث، و لا تعتمد الأنجليزية كلغة ثالثة في الطور المتوسط.
وكانت وزارة التعليم العالي أعلنت عام 2019 عن التوجه لتكثيف تعليم الإنجليزية، في إطار التحضير مرحليا لاستبدال الفرنسية بلغة شيكسبير في الدراسات العليا والتخصصات الدقيقة. قرار الوزارة أنذاك أسال الكثير من الحبر في أوساط النخبة الفرنسية و حتى في الأوساط الفرونكوفونية الجزائرية, إذ تعالت الأصوات المشككة في نجاح هذا الإنتقال الحتمي خاصة وأن الجزائر تنوي تنوي اجراء تغييرات جذرية في نموذجها الإقتصادي و إعادة تموقعها كقوة تأثير إقليميا. خاصة و أن اللغة الفرنسية كانت من أهم الأسباب التي أدت إلى حجب الأبحاث الجامعية و المهنية الجزائرية التي تعتمد الفرنسية.
و في تدخل سافر تشجعه بعض الأطراف المسجونة في قفص الحنين إلى الماضي راح المركز الفرنسي للدراسة والتفكير في العالم الفرنكوفوني (CERMF) بباريس أنذاك، إلى حد ناقوس الخطر مشيرا أن قرار السلطات الجزائرية ” بشأن إمكانية وضع اللغة الأجنبية الأولى الممنوحة للفرنسية، وبالتالي الطابع الن بالفرنسية للبلاد، من المرجح أن يضر بشكل خطير بمصالحها العليا ومصالح الشعب الجزائري”.
و فسر المركز في دون الأخذ بعين الإعتبار لما يفكر فيه الجزائريون أن القرار سيقطع الجزائر عن “بيئتها المباشرة ، أي بقية المنطقة المغاربية وبشكل عام إفريقيا الناطقة بالفرنسية” ، وهي منطقة شاسعة في نمو اقتصادي وديموغرافي كامل ، وإتاحة العديد من الفرص” . “علاقات وثيقة بشكل خاص يستحيل إعادة بنائها مع دول وقوى أخرى أبعد جغرافياً وغير مرتبطة بالجزائر بتاريخ مشترك”.
إلا أن الحجج التي قدمها CERMFتقوضها مدى مستوى الميول لدى الشباب الجزائري للغة الأجنبية بفضل تطور وسائل الإتصال للوصول إلى المواد العلمية والثقافية بعيدا عن الغة الفرنسية. والغريب في الأمر أن السلطات الفرنسية ما فتئت تصدر رزما من التحفيزات لتعميم الإنجليزية في الجامعات الفرنسية. في الواقع ، منذ عام 2015 ، يسمح قانون التعليم العالي والبحث لجميع مؤسسات التعليم العالي ، بما في ذلك الجامعات ، بتقديم دورات باللغة الإنجليزية.
وفقًا لموقع وكالة Campus France ، فإن الدورات التدريبية التي يتم إجراؤها باللغة الإنجليزية كليًا أو جزئيًا “زادت بأكثر من 50٪ منذ عام 2014: يوجد الآن 1،328” دورة. “وهناك المزيد والمزيد من الجامعات التي تقدم دورات تدرس باللغة الإنجليزية.
مع ما يقرب من 15 مليون ناطق بالفرنسية وفقًا للمنظمة الدولية للغة الفرنسية ، تعد الجزائر ثالث دولة ناطقة بالفرنسية في العالم ، بعد فرنسا وجمهورية الكونغو الديمقراطية. بالنسبة لفرنسا ، فإن تآكل ااثير اللغة الفرنسية بالجزائر ستكون خرقًا كبيرًا لمجال نفوذ فرنسا، وهو مصدر قلق دائم للسياسيين و النخب الفرنسية التي تسخر الملايير من الأورو للحفاظ عليه عبر صناعة ثقافية حقيقية و شبكات بشرية هائلة.
وينتظر في الأيام المقبلة ان القرار لن يمر مرور الكرام وأن تشتعل منصات التواصل الإجتماعي بردود الأفعال حول هذا القرار الحساس و المحكوم عليه بالنجاح لما يكتسيه من أهمية. فلا يخفى على أحد أنه من ِانه تغيير المنظومة العلمية الثقافية المتوارثة من مخلفات منظومة القوة الناعمة للثقافة الفرنسية التي تفردت لسنين بمستعمراتها القديمة.
وارتفعت في السنوات الأخيرة مطالب الإعلام والنخب ونقابات التعليم وجمعيات أولياء التلاميذ بضرورة تدشين الانتقال اللغوي في الجزائر، بزحزحة الفرنسية -ولو تدريجيا- لصالح الإنجليزية في كل الأطوار التعليمية، بصفتها لغة أجنبية وليست لغة تدريس بديلة من العربية.
ولذلك فأن هذه الخطوة ليست مشروع حكومي فحسب بل هو مشروع ثقافي ضخم تتطلب حساسيته تظافر جهود الجميع لإنجاح الإنتقال علما أن الظروف العامية الجديدة ملائمة جدا لاتخاذ قرارات جريئة كهاته تمنح الجزائر او البلدان التي تنهج نهجها استقلالية ثقافية تعزز طموحها في التموقع بكل سيادة في التكتلات الإقتصادية الإقليمية الجارية حاليا.