”الجزائر تنضم رسميا إلى بنك بريكس : ما هو تأثير ذلك على اقتصادها وبيئتها الاستراتيجية؟“
كتبه | أحمد زكريا
الجزائر | خطوة أخرى حاسمة للجزائر بعد اعتمادها للإنضمام إلى بنك التنمية لدول البريكس رسميًا خلال الاجتماع السنوي لمجلس محافظي هذه المؤسسة المالية، الذي عُقد يوم السبت في كيب تاون، ب جنوب أفريقيا. ويعتبر هذا الإعلان، الذي نقلته وزارة المالية الجزائرية ، تقدمًا كبيرًا في دمج الجزائر في النظام المالي العالمي.
بمساهمة تقدر ب 1.5 مليار دولالر تصبح الجزائر العضو التاسع في بنك التنمية الجديد، وتلتحق إلى قائمة الإقتصادات الناشئة و المؤثرة مع البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا. ويؤكد هذه القرار، الذي أعلنته رئيسة البنك، ديلما روسيف، على أهمية هذا الانضمام لتطوير الاقتصاد الوطني المصنفت مؤخرا الثالث إفريقيا، طموح الجزائر للعب دور رئيسي على الساحة الدولية.
تأسست هاته المؤسسه المالية في عام 2015 من قبل مجموعة البريكس (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، جنوب أفريقيا)، وهي مؤسسة متعددة الأطراف للتنمية، وتعتبر بديلاً لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وتتمثل مهمتها الرئيسية في تعبئة الموارد لتمويل مشاريع البنية التحتية والتنمية المستدامة في الأسواق الناشئة والدول النامية، مما يسهم في تعزيز النمو الاقتصادي وتقليل الفوارق بين البلدان، كما سيسمح بنشأة مناطق تأثير اقتصادي من ِانها تغيير الخارطة الإقتصادية العالمية.
وأشارت وزارة المالية الجزائرية في بيان لها أن هذه العضوية جاءت نتيجة تقييم ”صارم“ تمت المصادقة عليها إلى حد كبير بفضل ”قوة مؤشرات الاقتصاد الكلي للبلاد، مما يشهد على مرونة الاقتصاد الجزائري.
وأضاف نفس المصدر أن ”الأداء الملحوظ للنمو الاقتصادي في السنوات الأخيرة المدعوم بإصلاحات متعددة القطاعات مكن الجزائر من أن تعتبر شريكا موثوقا وديناميكيا داخل هذه المؤسسة، بفضل تصنيفها مؤخرا كاقتصاد ناشئ من الدرجة الأولى“.
واعتبر خبراء اقتصاديون أن فتح الانضمام إلى البنك سيمنح آفاقًا جديدة للتمويل بشروط أكثر ملاءمة وسلاسة، مما يسمح للجزائر بتجنب الوقوع في فخ الاستدانة من المؤسسات المالية الدولية التقليدية والتي التزم الرئيس عبد المجيد تبون بعدم اللجوء لها معتبرا انها “رهن للسيادة الوطنية”.
وتمثل هذه الاستراتيجية خطوة جريئة للبلاد، التي تسعى إلى تعزيز سيادتها الاقتصادية. من خلال الوصول إلى الموارد المالية التي يوفرها البنك مما يمكن للجزائر تنفيذ مشاريع البنية التحتية الحيوية دون التعرض للضغوط المعتادة من المؤسسات مثل صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي خاصة عند الأزمات.
ومن المنتظر أن يتجاوز تأثير هذا الإنضمام الحدود الجزائرية منعكسا إيجابيا على دول الجوار مثل تونس والنيجر و ليبيا وموريطانيا . والتي أطلق الرئيس الجزائري معها شراكات في مشاريع اقتصادية متكاملة، تهدف إلى إنشاء بنييات تحتية وفضاءات تعاون إقليمي ديناميكي. وهذا ما يزيد من تسهيل الوصول إلى تمويل لتوسعة مشاريع أخرى باعتبار البنك محفز للمبادرات العابرة للحدود التي تعزز الاستقرار الاقتصادي والازدهار الجماعي في شمال وغرب أفريقيا.
في عام 2023، فاق حجم التبادل التجاري بين دول البريكس 500 مليار دولار، بزيادة قدرها 30% سنويا. وتوفر هذه الديناميكية للجزائر فرصة ذهبية لتعزيز علاقاتها الاقتصادية مع دول ناشئة أخرى تمتد من أمريكا الجنوبية إلى آسيا التي تمثل لوحدها ما يقارب ال 40% من اقتصاد العالم، مما يقلل من اعتمادها على الإتحاد الأوروبي، الذي شكلت في وقت سابق حوالي 60% من تجارتها الخارجية.
كما أن دعم البنك لتمويل مشاريع التنمية المستدامة يُعتبر ميزة كبيرة للجزائر. حيث تمتلك البلاد موارد طبيعية هائلة، ولديها إمكانيات ضخمة في قطاع الطاقة المتجددة والزراعة والصناعات التحويلية. ففي عام 2023، أعلنت الجزائر عن استثمارات بقيمة 5 مليارات دولار في مشاريع الطاقة الشمسية والريحية مع هدف طموح يتمثل في إنتاج 15 جيجاوات من الطاقة المتجددة بحلول عام 2030. كما اطلقت مشاريع زراعية و صناعية و منجمية ضخمة منها عابرة للحدود و أخرى تدعم الصادرات خارج المحروقات، ناهيك عن تطوير بنية الموانئ والمطارات و المنظومة البينكية. وبفضل انضمامها إلى البنك، ستتمكن الجزائر من الاستفادة من دعم مالي متزايد لهذه المبادرات، مما يساهم في انتقالها الطاقي ويعزز موقعها على الساحة الدولية كشريك فاعل.
علاوة على ذلك، يقدر الخبراء أن الانضمام إلى البنك قد يجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، مع توقعات تصل إلى 10 مليارات دولار في السنوات الخمس المقبلة. يمكن أن يؤدي ذلك إلى تنشيط القطاعات الرئيسية مثل البنية التحتية والتكنولوجيا والزراعة، مما يعزز خلق فرص العمل وتقليل البطالة.
أخيرًا، يمكن للجزائر الاستفادة من المنافسة المتزايدة بين دول البريكس والنظام الاقتصادي والمالي القديم. بينما تسعى دول البريكس إلى إعادة تعريف قواعد اللعبة الاقتصادية، فإن الجزائر لديها الفرصة للاستفادة من مرونة أكبر في خيارات التمويل والاستثمار. يمكن أن تتيح هذه الديناميكية التنافسية للبلاد التفاوض على اتفاقيات أكثر ملاءمة، متجنبة الشروط الصارمة التي تفرضها غالبًا المؤسسات المالية التقليدية. من خلال الانضمام إلى البريكس، تضع الجزائر نفسها استراتيجيًا لتعظيم فوائدها في مشهد اقتصادي عالمي متغير.
من جهة أخرى والتي تعتبر الأهم فإن وضع الجزائر كعضو في البنك الذي يعمل على تطوير منظومة بنكية موازية لسويفت (Swift) و تشجيع التبادلات بين الدول الأعضاء خارج منظومة الدولار التي أصبحت سلاح إقتصادي فتاك في يد الغرب، سيمنح الجزائر مجالا كبيرا للمناورة في تسيير الأزمات العالمية خاصة بعد ولوجها بقوة في أوروبا كشريك استراتيجي و ممول أساسي للطاقة الأحفورية والهيدروجين عبر شبكة كبيرة من البلدان الأوروبية على رأسها سلوفينيا وبولونيا وصربيا شرقا و أيطاليا و الدول الجيرمانية (ألمانيا وسويسرا والنمسا) غربا وأسبانيا و البرتغال في أقصى غرب القارة. مما تتبوأ موضع محوريا في التبادلات بين الجنوب والشمال و بين الشرق والغرب.
لا يمثل انضمام الجزائر إلى بنك التنمية لدول البريكس مجرد نجاح دبلوماسي، بل هو أيضًا فرصة استراتيجية غير مسبوقة. من خلال الوصول إلى تمويلات ميسّرة وتعزيز علاقاتها الاقتصادية مع دول ناشئة أخرى، تضع الجزائر نفسها كفاعل رئيسي على الساحة العالمية. هذه الخطوة قد تُشكل بداية عصر جديد لاقتصادها، مما يعزز نموها ومرونتها في مواجهة التحديات المستقبلية، ويفتح الطريق نحو تعاون إقليمي مثمر لكافة دول القارة الأفريقية.