للإعلان
الجزائرجيوسياسيات

اتفاقات السعودية و الجزائر وإيران كيف استفادت القوى الإقليمية الرادعة من التنافس الصيني الأمريكي  

سياسة “صفر مشاكل” المتمردة على مصالح القوى الكبرى “التي ينتهجها ولي العهد محمد بن سلمان، من أوائل المتفطنين للزلزال الجيوسياسي الذي سيهز أركان النظام العالمي، سيؤدي حتما إلى تزايد نفوذ المملكة وشعبيتها في الأوساط العربية. كما كان إقرار ولي العهد لبعث مجلس التنسيق الأعلى السعودي الجزائري, عشية الإعلان عن الاتفاق مع إيران، له دلالة خاصة فتحت الباب لتأويلات خبراء القضايا الجيوسياسية حول الدور الذي لعبته الجزائر, بعيدا عن الأضواء، في المحادثات بين عملاقي الخليج، في إطار مساعيها لتنويع خيارات المنطقة العربية والإسلامية على صعيد المحاور الدولية المتصارعة.     

MF

بقلم | أحمد زكريا


لأول مرة في تاريخ الشرق الأوسط، تقتص الصين الدور الرئيس في حل إحدى أزمات المنطقة الخليجية الملغمة. لم تكن بيكين لتذهب بعيدا في تعزيز شراكتها الاستراتيجية الشاملة بين أكبر قوتين إقليميتين في الخليج إلا عبر المصالحة بينهما. الاتفاق لن يكن من شأنه تخفيف التوتر في الشرق الأوسط وإنهاء الابتزاز الأمريكي للسعودية فحسب، بل ينتظر أن كسر المقاطعة العربية لطهران وكسر جماح هرولة المطبعين. زد على ذلك فإن ملامح التحالف الإستراتيجي الذي ترتسم بين السعودية والجزائر التي تربطها علاقات طيبة مع إيران، سيكون عامل توازن كبير في استقرار طريق الحرير من الخليج إلى أبواب افريقيا وغرب المحيط المتوسط خاصة وأن الاتفاق يمثل خطوة مهمة نحو تفكيك أزمات منطقة الشرق الأوسط كأزمتي اليمن ولبنان وسوريا.

وهذا الاتفاق المفصلي بين أكبر لاعبين إقليميين في المنطقة، نص على تفعيل اتفاقية التعاون الأمني بينهما الموقعة في 2001، والاحترام المتبادل، والالتزام بعدم التدخل في الشؤون الداخلية.

الاتفاق الذي جرى الإعلان عنه من بكين في 10 مارس الجاري، في بيان مشترك، أعلن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، وإعادة فتح السفارتين المغلقتين منذ 2016، في غضون شهرين كما لم يغفل الاتفاق، الجوانب الاقتصادية، ونص على تفعيل الاتفاقية العامة للتعاون في مجال الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم بالإضافة إلى الثقافة والرياضة والشباب، الموقعة في 1998

فهذه الخطوة لن تقتصر على مجرد إعادة تطبيع العلاقات دبلوماسيا بين السعودية وإيران المرشحتان للانضمام إلى منظمة بريكس، إنما تسعى لفتح المجال لشراكة أوسع في مجالات متعددة، دبلوماسية وأمنية واقتصادية بالأخص. ما سيسهم في تخفيف حالة الاستقطاب بين الداعمين للسعودية والموالين لإيران في المنطقة العربية

فبالنسبة لطهران يعتبر هذا الاتفاق من أكبر الإنجازات لفك الحصار المطبق الذي تفرضه عليها الولايات المتحدة وحلفاءها منذ عقود أملا في الاحتفال يوما ما، بسقوط النظام تحت ركام ثورة للجياع. كما أنه قد يؤدي إلى دفن سردية بعبع المد الفارسي التي تصونها إسرائيل وتروج لها بتحمس صبياني، صحف ومنصات الأنظمة المطبعة خاصة المخزن المغربي، خدمة لأجندة إسرائيل لتفكيك العالم الإسلامي وإضعافه وكذا أحلامه التوسعية على حساب الشعب الصحراوي.

الجزائر والرياض وطهران، كيف تستثمر القوى الإقليمية الرادعة للاستفادة من التنافس الصيني الأمريكي  


تعتبر الصين الشريك التجاري الأول لكل من السعودية وإيران والجزائر، وتربطها بكل منها “شراكة إستراتيجية شاملة”، ولم يكن بالإمكان الذهاب بعيدا في هذه الشراكة من الخليج إلى غرب المتوسط دون تحقيق هذه المصالحة والانتفاع بالتفاهمات القائمة بين ثاني وثالث قوى ردع عربية المتمثلة في السعودية والجزائر التي يسعى رئيسها عبد المجيد تبون إلى الذهاب أبعد في توسيع مجال المناورة الجيوسياسية لبلده وللوطن العربي -الذي يقع في لب كل الرهانات- لمواجهة مفاجآت العالم الجديد المتعدد الأقطاب من خلال إعلانه عزمه إعادة بعث حركة عدم الانحياز التي تمثل ثلثي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة و نصف سكان العالم. فالتحالف الإستراتيجي الناشئ بين الجزائر والسعودية تفرضه البراغماتية وواقع جديد يفرض تحركات سريعة وقطعية في نفس الوقت.

سياسة “صفر مشاكل” المتمردة على مصالح القوى الكبرى “التي ينتهجها ولي العهد محمد بن سلمان، من أوائل المتفطنين للزلزال الجيوسياسي الذي سيهز أركان النظام العالمي، سيؤدي حتما إلى تزايد نفوذ المملكة وشعبيتها في الأوساط العربية. كما كان إقرار ولي العهد لبعث مجلس التنسيق الأعلى السعودي الجزائري, عشية الإعلان عن الاتفاق مع إيران، له دلالة خاصة فتحت الباب لتأويلات خبراء القضايا الجيوسياسية حول الدور الذي لعبته الجزائر, بعيدا عن الأضواء، في المحادثات بين عملاقي الخليج، في إطار مساعيها لتنويع خيارات المنطقة العربية والإسلامية على صعيد المحاور الدولية المتصارعة.     

ويتولى المجلس “التكفل بتعزيز التعاون الثنائي في المجالات السياسية والأمنية، ومكافحة الإرهاب والتطرف، والاقتصاد، والتجارة، والاستثمار، والطاقة، والتعدين، يرأسه عن الجانب الجزائري أيمن بن عبد الرحمن رئيس الحكومة، وعن الجانب السعودي ولي العهد محمد بن سلمان“. وينتظر أن تعقد أول اجتماعاته في الجزائر خلال زيارة مرتقبة لولي العهد محمد بن سلمان إلى الجزائر

و كان أول تنسيق بين السعودية و الجزائر في إطار منظمة البلدان المصدره للبترول +OPEC. كان ذللك بعدم رضوخ البلدين للضغط الأميركي في أطار الصراع مع روسيا بخفض إنتاج النفط.

فعلى غرار الجزائر التي استطاعت صد كل محاولات ضرب استقرارها منذ الثمانينات إلى دخول الكيان الصهيوني للمغرب العربي, عبر بوابة المملكة العلوية مرورا بعواصف الربيع العربي، فإنه مباشرة بعد وصول جو بايدن, على راس البيت الأبيض ، بعد تهديده خلال حملته الانتخابية بجعل السعودية دولة منبوذة، اقتربت الأخيرة أكثر من الصين، ووقعت معها اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة في ديسمبر 2022 ذاهبة إلى حد زعزعة أهم أركان الهيمنة الأمريكية عبر قرار محمد بن سلمان إقرار اليووان الصيني كعملة للتبادلات البترولية الصين.  

 وأشار في عدة مناسبات أنه «بالرغم أن علاقة المملكة مع الصين لا تعني انها بديل لتحالفها مع الولايات المتحدة، إلا أن الأخيرة لها مواقف متشددة مع إيران، وتفرض عليها عقوبات قاسية، وفي الوقت نفسه تبتز السعودية بالبعبع الإيراني كما أن التزام واشنطن بأمن الخليج تعرض لامتحان صعب عندما تعرضت المنشآت النفطية السعودية لهجوم استخدمت فيه أعداد كبيرة من الطائرات المسيرة، في مارس من السنة الماضية”

رد الفعل الأمريكي المتخاذل إزاء هذا الهجوم، جعل السعودية تدرك أن واشنطن ليست ربما حليفا موثوقا به يمكنه ردع أو الرد على أي هجوم إيراني على المصالح الاستراتيجية للبلاد

ومهد ذلك لتوجه السعودية شرقا نحو الصين، ووقعت معها، بعد ستة أشهر من الهجوم، اتفاقية “شراكة استراتيجية شاملة”

وكان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قد أعلن، في ديسمبر الماضي، عن ترتيبات لزيارة لبن سلمان إلى الجزائر، بعد لقائهما في حفل افتتاح مونديال قطر 2022، لافتاً إلى أن هذه الزيارة كانت مقررة قبل القمة العربية، وأن “البلد بلده، يأتي وقت ما يريد”.

و الجدير بالذكر أن تبون اختار، في فبراير 2020، أن تكون الرياض أول عاصمة يزورها بعد توليه السلطة في ديسمبر/كانون 2019.

كما شهدت العلاقات الجزائرية السعودية زخما كبيرا في الأشهر الإخيرة، حيث زار عدد من المسؤولين السعوديين الجزائر، كان آخرهم مدير إدارة التعاون الدولي في وزارة الدفاع السعودية العميد الركن يوسف بن عبد الرحمن الطاسان، ووزير الحج والعمرة توفيق بن فوزان الربيعة، ووزير الداخلية السعودي الأمير عبد العزيز بن سعود بن نايف.

هل تقبل الولايات المتحدة وإسرائيل وضع الخاسر الأكبر؟

 من المعلوم أن الاتفاق سيسقط من واشنطن قبعة الحامي للسعودية من التهديد “الإيراني”، ويوهن الطوق الأمريكي حول طهران، فمن المنتظر طبيعيا أن تستأنف دول عربية أخرى علاقاتها مع طهران على غرار الإمارات والبحرين والسودان والصومال وجيبوتي.

إسرائيل من جهتها لا زالت لم تستفق من وقع الصدمة، في ظل أزمات سياسية داخلية هي الأسوأ منذ تأسيسها. زاد من حدتها تنامي العمليات المسلحة بالضفة الغربية والقطاع. فالانتقادات اللاذعة التي تعرض لها نتنياهو وجهاز الموساد اللذان عجزا عن استشراف الاتفاق وضعت حكومة الائتلاف الهشة على المحك. فلاتفاق لا يصب في مصلحة مساعي إسرائيل بتوجيه ضربات للمشروع النووي الإيراني فالسعودية لن تصبح بموجب هذا الاتفاق -الذي تضمنه قوة كبرى بحجم الصين- منصة او ميدان قتال في أي مواجهة محتملة بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة وإيران من جهة أخرى

كرونولوجيا الاتفاقية الأمنية بين إيران والسعودية 2001، والتي تم تجديد الالتزام بها اليوم؟

  • – ما قبل الاتفاق: قطعت العلاقات بين البلدين عام 1988، بعد عام من اشتباك حجاج إيرانيين في مكة مع الشرطة السعودية خلال مظاهرة مناهضة للولايات المتحدة خلّفت أكثر من 400 قتيل.
  • – استعادت الدولتان العلاقات عام 1991 وتحسنت العلاقات بينهما بشكل كبير بعد انتخاب الرئيس الإيراني الإصلاحي محمد خاتمي عام 1997.قام الرئيس الايراني محمد خاتمي بزيارة تاريخية إلى المملكة العربية السعودية
  • – في عام 1999 وبعد سنتين من التفاوض. تمّ توقيع الاتفاقية الأمنية في طهران بين وزراء الداخلية السعودي الأمير نايف بن عبد العزيز والإيراني عبد الواحد موسوي لاري. – تتعهد الدولتان بمكافحة الإرهاب وتهريب المخدرات والجريمة المنظمة، التعاون في إجراءات مراقبة الحدود والتعاون بين قوات الشرطة
  •  – التحليل: الاتفاقية لا ترقى إلى مستوى التعاون العسكري. لا تتضمن اي رأي حول القواعد العسكرية الأميركية.
  •  – من غير الواضح إذا كان الطرفين قد اتفقا على تعريف مشترك للإرهاب.
  • – موضوع الحدود كان حول تهريب المخدرات من افغانستان الى إيران والخليج والذي يضر بكل الدول.
  • -الاتفاق على عدم التدخل بالشؤون الداخلية واحترام سيادة كل دولة، يعني الالتزام المشترك بعدم تشجيع المعارضين ودعمهم من قبل كل من الدولتين ضد الدولة الأخرى. وقد نشهد تراجعاً في حدّة الخطاب الاعلامي الهجومي ضد السعودية لدى السياسيين والاعلاميين المرتبطين بإيران، والعكس صحيح
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى