للإعلان
جيوسياسياتعربي

الدبلوماسية الجزائرية تجوب أفريقيا: رأب الصدع القاري وبتر الحزام الناري حول المغرب العربي وشمال إفريقيا

 تعيش الدبلوماسية الجزائرية نشاطا غير مسبوق، وذلك على خلفية ما يشهده البيت الإفريقي من أوضاع إقليمية وأمنية جد حساسة ومثيرة، هذا الوضع الذي من شأنه أن تكون له تداعيات على استقرار وأمن دول الجوار. تداعيات التصحيح الثوري في تونس، فضيحه التجسس الإسرائيلي باستعمال مملكات التطبيع إنتهاءا بالتغلغل الصهيوني في بيت منظمة الوحدة الإفريقية. كل هاته التطورات دفعت الجزائر لأخذ زمام المبادرة بما يتطلب تسارع الأحداث في القارة السمراء، الساحة والغاية في هاته الصراعات الجيوسياسية التي ستحدد ملامح عالم ما بعد كورونا


بقلم: ف. صدراتي / أ. طالب


عاد لعمامرة جارا معه محورين لم يكن أحد يتصور إمكانية انشاءهما قبل شهر. ويتعلق الأمر بالمحور المصري التونسي الجزائري في مواجهة مد المنظمة العالمية للإخوان المسلمين، أداة مشروع للثورات الملونة في الوطن العربي من جهة، والمحور الأفريقي-العربي في مواجهة التغلغل الطفيلي للكيان الإسرائيلي كعضو مراقب في منظمة الوحدة الإفريقية. لحد الآن 13 عشر دولة افريقية على الأقل، قررت السير وراء المبادرة الجزائرية فيما القائمة لاتزال مفتوحة.

        تم افتتاح هذه الزيارات بالتركيز على مصير تونس، أحد اهم أعمدة الشمال الإفريقي ، لينتهي بشرق القارة وملف سد النهضة الذي يراد به تشتيت ما يقارب 270 مليون نسمة جمعتها مياه النيل منذ غابر الزمن. إذ بعد قبول كلٍّ من أثيوبيا والسودان ومصر مبدأ استئناف التفاوض المباشر، راهن الكثير من المحللين السياسيين على تنامي حظوظ الوصول إلى حل قد يرضي جميع الأطراف
الجزائر ومصر، وبصفتهما أكبرُ الدول العربية ، وكلتاهما عضوُُ في الجامعة العربية والاتحاد الإفريقي، فإن التقارب بينهما سيكون له لا محال ، وقعُُ على الساحة الأفريقية والعربية. فكلا البلدين عرضة لمحاولات ضرب استقرارهما باللّعب على التناقضات الداخلية، وكذا الصراعات على مستوى عمقيهما الجغرافي الاستراتيجي. اتّفاق الجزائر والقاهرة بخصوص الوضع في ليبيا وتونس لقي ترحيبا كبيرا لدى شعوب البلدان المعنية قبل كل شيء.

 وزيرا الخارجية الجزائر رمطان لعمامرة و المصري سامح شكري في ندوة صحفية

فالاتفاق على الملف الليبي يعتبر إنجازا كبيرا خاصّة وأنّ تفاعل البلدين عمليا مع طول أمد الأزمة الليبية ، كان شبه متناقض. إلا أن وعي البلدين بعدم عفوية التقسيم الجغرافي للنزاع الداخلي الليبي كان مدروسا من طرف من هندس “للربيع” الليبي بكيفية تتضارب فيها مصالح الدولتين : “إن لدول الجوار لليبيا، مسؤولية خاصة وأن مصر والجزائر عزمتا على الاضطلاع بهذه المسؤولية، خاصة وأن ليبيا مقبلة على انتخابات مصيرية” يقول وزيرا خارجية مصر و الجزائر

الأمر الذي لا يقل أهمية عن الملف الليبي هو تطابق وجهتي النظر في تدعيم مسار الرئيس التونسي قيس سعيد في تحقيق مطالب التونسيين بإعادة قاطرة ثورتهم لمسارها الصحيح

وساطة سد النهضة … الأبعاد والدلالات

زيارات لعمامرة لكل من أديس بابا, الخرطوم و القاهرة كان أول مقوماتها العلاقات الثنائية بين الجزائر و كل من هاته العواصم، فالموقف الجزائري طوال الأزمة، اتسم بالحياد الإيجابي وهو ما يرى البعض، أنه يمكن أن يساهم في الوقت الراهن, في دفع الأطراف إلى جولة جديدة من المفاوضات المباشرة. وهذا ما تم قبوله.


خلفية الدبلوماسية الجزائرية وتجربتها في الشأن الإفريقي، مكّنتها من فك شيفرة مفارقات أزمة سد النهضة بالأخص أسباب تمسك كل طرف بمواقفه رغم وعي كل الأطراف بأن جهات أخرى هي الأكثر استفادة من إطالة عمر الأزمة وعدم الاستقرار بالقرن الإفريقي.


تواجه الدبلوماسية الجزائرية و الدول التي تحذو حذوها سياسة وضعتها إسرائيل و حلفاؤها في خمسينات القرن الماضي من خلال تجنيد كافة الطاقات الذاتية والتحالفية ، والتي كانت المياه في طليعتها أكثر الاستراتيجيات نجاعة وفعالية. عمل الكيان جاهدا نحو خضرمة الرؤي وتكريس كافة آلياتها السياسية والاقتصادية والدينية بُغية تهديد الأمن المائي المصري و السوداني عبر النيل بعد تطويق الأردن و لبنان باستحواذه على نهري الأردن و الليطاني ثم زعزعة أمن العراق و سوريا عبر الدجلة و الفرات و تستند سياسة الكيان على نظرية حلف المحيط التي صاغها ديفيد جوريون وتعتمد على عقد تحالفات مع الدول المحيطة بالجمهوريات العربية قصد تطويق مصالحها في أفريقيا. وقد بدأت إسرائيل بتطبيق هذه النظرية من خلال تحالفها القوي مع إيران في عهد الشاه وتركيا فضلا عن إثيوبيا في عهد الإمبراطور هيلا سيلاسي.. الأزمة الليبية و تمركز المجموعات الإرهابية جنوب شرق ليبيا و شمال المالي و النيجر يبرر استمرار تواجد القوى الاستعمارية التي لم تتخلى عن مشروع القديم وهو فصل ليبيا و الجزائر عن جنوبهما و منعهما بالتالي من استغلال المياه الجوفية التي تعتبر أكبر احتياطي من المياه الجوفية في العالم

رمطان لعمامرة ، صاحبُ الرّصيد في عمليات الوساطة لا سيما في الأزمة بين مالي وبوركينا فاسو عام 1985، والنّزاع الحدودي بين تشاد وليبيا وكذا أثيوبيا وأريتيريا سنة 2000 ناهيك عن الحرب الأهلية في ليبيريا، بصفته مبعوثًا خاصًا للاتحاد الأفريقي بين عامي 2003 و2007.

،في ذات الصّدد أشار خبراء مصريون أن الجزائر يمكن أن تستثمر الهدوء الحالي بين الدول الثلاث بعد التأكد من عدم الضرر في حصص المياه على الأقل لمدة عام قادم، وأن الفرصة قد تكون مواتية لتقريب وجهات النظر، خاصة مع رفض أثيوبيا الدور الغربي كضامن أو مراقب للمفاوضات. ممّا عزّز من موقف الجزائر المتشبث بمبدأ إبقاء الشأن الإفريقي وقضاياه تحت مظلة الاتحاد الإفريقي، من أجل ضمان تقريب أكثر للرؤى بعيدا عن أي نوع من الوساطات الخارجية والتي تكون  مخرجات وساطاتها عادة، مفروضة حسب ما تفتضيه مصالحها الخاصة.2

فيروس الكيان الصهيوني و مملكاته المتحورة



برزت العديد من المستجدات على الساحة الإفريقية  إبان سلسة الجولات رمطان لعمامرة في القارة السمراء، وقد تمثلت في كل من دعوة ملك المغرب وخطاب العودة للتهدئة بعد أشهر منا التخبط الدبلوماسي الذي يوحي بفقدان العائلة الملكية . في التحكم في أجهزتها الاستخباراتية

حيث دعا العاهل المغربي محمد السادس، الرئيسَ الجزائري عبد المجيد تبون إلى العمل سويا على “تطوير العلاقات الأخوية”، مؤكدا أن الوضع الحالي للعلاقات مع الجزائر “ليس في مصلحة شعبي البلدين، كما أنه غير مقبول من طرف العديد من الدول” دون تحديد هاته الدول.

وقد جاءت هذه الدعوة بعد سلسلة النّكسات الدبلوماسية التي عزلته خاصة بعد فضيحة برنامج “بيجاسوس” التي كان المخزن أداة للكيان الصهيوني للتجسس والابتزاز. تلاها التراجُع الضّمني للرئيس الأمريكي جو بايدن عن اعتراف الرئيس السابق دونالد ترامب بمغربية الصحراء مقابل التطبيع مع كيان الاحتلال. ويشير خبراء سياسيون إلى أن تصريحات ملك المغربي خطوة لن تعقبها نقلة نوعية مثل فتح الحدود بل من المُرجّح أن تجاوب الجزائر مع هذه الدعوة الملكية، سيكون في أضيق الحدود إن لم تقابل بالرفض.

 المستجد الأخر كان الإعلان عن حصول إسرائيل على مقعد في الاتحاد الإفريقي كعضو مراقب، مما أثار حفيظة الخارجية الجزائرية، خاصّة وأن دعم القضية الفلسطينية يعد أحد ركائز السياسة الخارجية للجزائر القائمة على دعم الشعوب المستعمرة. كما أنه مخالف لسياسة وفلسفة الاتحاد الإفريقي وأعضاءه. خاصة أن طلب إسرائيل الانضمام إلى المنظمة رُفض ثلاث مرات قبل ذلك، خلال الأعوام 2013، و2015، و2016. أي في أوج ” الربيع العربي” الذي شتت انظار الوطن العربي, الخارجية الجزائرية كانت أول من تحرك من أجل كبح هذه الحركة الارتجالية لبعض مسؤولي المفوضية العامة للمنظمة وعلى رأسهم رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي التشادي، موسى فكي..

وتقود الجزائر رفقة تونس وجنوب أفريقيا حملة مضادة لتبني البيان الرسمي الجزائري حول القضية الذي جاء فيه: أن “قرار رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي بقبول مراقب جديد (إسرائيل)، لن يؤثر على الدعم الثابت والفعال للمنظمة القارية تجاه القضية الفلسطينية العادلة” منددا بأن “القرار، اتخذ دون مشاورات موسعة مسبقة مع جميع الدول الأعضاء، لا يحمل أية صفة أو قدرة لإضفاء الشرعية على ممارسات وسلوكيات المراقب الجديد” معتبرة   إياه “تجاوزًا إجرائيًا وسياسيًا غير مقبول من جانب رئيس المفوضية لسلطته التنفيذية”، ومخالفة “لمعايير منح صفة مراقب ونظام الاعتماد لدى الاتحاد الأفريقي””.

وعبّر نص رسالة الدول السبع، الذي وقّعه أيضًا كلّ من الأردن والكويت وقطر وفلسطين واليمن، إضافة إلى بعثة جامعة الدول العربية، عن رفض هذه الدول الخطوة التي أقدم عليها رئيس المفوضية الأفريقية في 22 جويلية 2021، “بشأن مسألة سياسية وحساسة أصدر بشأنها الاتحاد الأفريقي على أعلى مستويات صنع القرار فيه، ومنذ زمن طويل، مقررات واضحة تعبر عن موقفه الثابت الداعم للقضية الفلسطينية، والمدين لممارسات إسرائيل بكافة أشكالها في حق الشعب الفلسطيني الشقيق، والتي تتعارض مع المصلحة العليا للاتحاد وقيمه ومثله ومقرراته”. وطالبت الدول الموقعةعلى الرسالة بإعادة إدراج مسألة قبول طلب إسرائيل الانضمام إلى الاتحاد الأفريقي “على الجلسة اللاحقة من أعمال المجلس التنفيذي وفقًا للفقرة من القسم الثاني من الجزء الثاني من معايير منح صفة مراقب”، وذلك في إطار جهد عربي تقوده الجزائر وتدعمه كل من جنوب أفريقيا ونيجيريا ودول أفريقية أخرى لإلغاء قرار قبول إسرائيل عضوًا مراقبًا في الاتحاد

وكانت الهيئة الاستشارية القانونية للاتحاد قد طالبت بتعديل بنود القانون التأسيسي للاتحاد، وهو ما ورد في اجتماع لجنة الممثلين الدائمين والخبراء القانونيين حول المسائل القانونية، في البند الخامس من جدول الأعمال، المتعلق “ببحث مشروع معايير منح صفة المراقب ونظام الاعتماد لدى الاتحاد الأفريقي”، الوثيقة دعت الهيئة إلى “مراجعة المعايير  المعمول بها حاليا حتى تعكس واقع الاتحاد الأفريقي، ثم وضع نظام رسمي لتقديم أوراق الاعتماد خصوصًا ما يتعلق (…) بالدول غير الأفريقية في ضوء الدور المتزايد الذي يضطلع به الاتحاد الأفريقي في الشؤون الدولية”. وهي مبادرةٌ تتبناها الجزائر وتشدد من خلالها على ضرورة تعديل ميثاق الاتحاد الأفريقي، بما يضمن عدم السماح لأي دولة من خارج القارة، تقوم على أساس احتلال أراضي الغير، بالحصول على أي صفة داخل الاتحاد. ويبدو أن مبادرة الجزائر تسعى أيضًا إلى منع انفراد مفوضية الاتحاد الأفريقي بقرارات حساسة كتلك التي اتخذها موسى فكي، الملاحق بتُهمٌ بالفساد، والتحرش الجنسي، وممارسة الترهيب في المفوضية، وفق تقريرٍ أصدرته مؤخّرًا مجموعة الأزمات الدوليّة

إقرأ أيضا:


اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى