الجزائر – تلقى رئيس الجمهورية الجزائري، عبد المجيد تبون، يوم السبت، مكالمة هاتفية من نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، تطرقا فيها إلى العلاقات الثنائية، كما جدّد الرئيس الفرنسي من خلالها الدعوة، لرئيس الجمهورية لحضور القمة الإفريقية-الأوروبية التي تحتضنها العاصمة البلجيكية بروكسل. واغتنم ماكرون الذي يترأس الإتحاد الأوروبي لمدة 6 أشهر للتطرق إلى العلاقات الثنائية بين البلدين التي شهدت أزمة دامت أشهر بسبب تصريحات أدلى بها, أتارت ليس غضب السلطات والشعب الجزائريين فحسب، بل طالت حتى الأوساط السياسية والأكاديمية الفرنسية التي شككت في معرفته بالتاريخ فماهي خلفيات هذه المكالمة؟
بقلم : أحمد زكريا
وكشفت الرئاسة الجزائرية عبر صفحتها على فاسبوك: “تلقى، اليوم، رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون مكالمة هاتفية من نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، تطرق فيها الطرفان إلى العلاقات الثنائية. وبالمناسبة جدّد الرئيس الفرنسي الدعوة، للسيد الرئيس، لحضور القمة الإفريقية-الأوروبية، التي تحتضنها العاصمة البلجيكية بروكسل. كما بحث الرئيسان، خلال هذا الاتصال، آفاق انعقاد اللجنة القطاعية العليا المشتركة بين الحكومتين”
وتعتبر هذه المكالمة المباشرة بين الرئيسين الأولى من نوعها بعد فتور وتذمر جزائري كبيرين حاول وزير خارجية فرنسا جون أيف لودريان التخفيف من آثارهما في زيارة للجزائر شهر ديسمبر الماضي، أكد فيها أن حكومة بلده ترغب في ارساء “علاقة ثقة يطبعها احترام وسيادة كل طرف”، معربا عن “أمله في العمل على رفع العوائق وحالات سوء الفهم التي قد تطرأ بين البلدين” مشيرا أن “الجزائر وفرنسا تجمعهما روابط عميقة تميزها كثافة العلاقات الانسانية بين الجزائريين والفرنسيين” وهي علاقات، يقول السيد لودريان، مترسخة عبر تاريخ معقد”
تجاذبات في كر وفر تحركه الذاكرة
و بلغت الآزمة بين البلدين ذروتها بعد تصريحات نقلتها صحيفة “لوموند” عن ماكرون، تساءل فيها عما إذا “كانت هناك أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي ما أثار ردة فعل لم تكن مفاجئة من الجزائر ذلك عبر عدة إجراءات ابرزها سحب السفير الجزائري لدى فرنسا و حظر المجال الجوي عن الطيران العسكري الفرنسي المتواجد دول الساحل الإفريقي، شهد أيضاً في 20 أكتوبر 2021 دعوة من فرنسا للجزائر بضرورة “احترام” السيادة الفرنسية، وذلك بعدما حضّ محمد عنتر داوود السفير الجزائري الجالية في فرنسا على “تشكيل رافعة” للتدخّل في “الحياة السياسية الفرنسية” وفق ما ذكرته وكالة “فرانس برس” بحكم ثقل الجالية الانتخابي الذي يستطيع الحسم في كثير من الاستحقاقات الانتخابية هناك خاصة بعد تعنيف الخطاب السياسي تجاه الجالية المسلمة التي تشكل أكثر من 10 بالمائة من الوعاء الإنتخابي.
تصريحات ماكرون لقت كذلك انتقادات لاذعة في الأوساط السياسية الفرنسية التي اتهمته بمحاولة استقطاب أصوات اليمين المتطرف تحسبا للانتخابات الرئاسية الفرنسية التي ستجرى شهر أبريل المقبل، فيما دعته أصوات أكاديمية إلى ترك المسائل التاريخية للمؤرخين
بوابة الجزائرومعضلة فرنسا في إفريقيا والساحل
تأتي القمة الأوروبية الإفريقية المزمع انعقادها يومي 17 و18 من شهر فيفري المقبل في ظروف جد استثنائية بالنسبة لفرنسا، التطورات الأخيرة في منطقة الساحل خاصة في مالي بوركينا فاسو وإفريقيا الوسطى أفقد الحضور الفرنسي بالمنطقة بعضا من توازنه مع تعالي الأصوات الإفريقية بضرورة التخلص من تأثير السياسات الاقتصادية والأمنية الفرنسية بالخصوص والأوروبية عامة و تجاه القارة السمراء مع البحث عن شركاء جدد خاصة روسيا والصين التان برهمتا على قدرتهما في اقتراح البديل : ” إن مستقبلنا مرهون بما سيحدث في أفريقيا” أكد ماكرون محذرا الأوروبيين في أول لخطاب له أثناء مراسيم تنصيبه على الرئاسة الدورية للاتحاد االأوروبي.
ناقوس الخطر الذي دقه ماكرون أتى في الوقت الذي أصبحت تطرح الكثير من الدول الأوروبية على راسها ألمانيا السويد والدنمارك تساؤلات حول الجدوى من الاستمرار بالمشاركة في العمليات العسكرية بالساحل في أطار “عملية تكوبا” التي تعول عليها فرنسا كثيرا للحد من تداعيات فشل حضورها العسكري في المنطقة بداعي محاربة الإرهاب.
هذا التسارع في التطورات التي تشهدها الساحة الإفريقية فتحت الباب على مصراعيه للجزائر للعب دور الوسيط المؤثر خاصة بعد تبني الإتحاد الإفريقي مقترحاتها بخصوص الأزمة بين باماكو وباريس وكذا الملف الليبي. الموقف الجزائر تعزز كذلك بعد زيارة عبد المجيد تبون للقاهرة اين اتفق مع الرئيس عبد الفتاح السيسي على التنسيق للعب دور متكامل في القضايا الإفريقية والعربية. فهل تنجح الديبلوماسية الجزائرية في استغلال هذه الظروف باقتراح نموذج جديد يلغي العلاقات الموروثة بين أوروبا وأفريقيا التي أضحت الأهداف فيها متناقضة وبأفق شبه مسدود؟
فالجزائر التي انفردت بمعالجة الأزمات الأمنية لمالي منذ عقود، استطاعت من جمح الظعوط الغير الواقعية لمنظمة الإيكواس المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا التي تسبح في فلك باريس سياسيا و اقتصاديا مذكرة أياها عبر منظمة الوحدة ألإفريقية بدورها كرئيسة الوساطة الدولية، ورئيسة مجلس متابعة اتفاقية السلام والمصالحة في مالي، والمنبثقة عن مسار الجزائر (حوار الحكومة والمعارضة المالية في 2014ـ 2015).