للإعلان
ترجماتجيوسياسيات

كيف حلل الخبراء الدوليون عقيدة الجزائر لمنع الحرب في النيجر و الساحل؟

هل تفطنت نيامي أخيرا للعبة الدولية ؟

 أدت ألإطاحة بالرئيس محمد بازوم، وضعاً متقلباً في المنطقة. وفي حين هددت فرنسا والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) بالقيام بعمل عسكري ضد المجلس العسكري النيجري تحت ستار حماية المنشآت الدبلوماسية والعسكرية الفرنسية واستعادة النظام الدستوري في النيجر، فإن الأزمة تخاطر بالتصعيد إلى صراع إقليمي.

Mf

إميلي ميليكين | ترجمة- ملاك نورهان


كل دولة من الدول السبع المجاورة للنيجر لديها مجموعة فريدة من المصالح والآراء بشأن الوضع في النيجر. فالجزائر، التي تشترك مع النيجر في حدود يبلغ طولها 620 ميلاً، تركز على تعزيز الاستقرار والعودة إلى النظام الدستوري في النيجر مع منع القوى الأجنبية من انتهاك سيادة البلاد.

وعبرت الجزائر مرات عن قلقها إزاء امتداد حالة عدم الاستقرار إلى الدول المجاورة (بما في ذلك الجزائر) واستغلال المتطرفين العنيفين للاضطرابات في النيجر نفسها. فإن ذكريات ” العقد الأسود ” في الجزائر (1991-1999)، أين أدت التمردات الجهادية ومحاربة الإرهاب إلى إراقة الكثير من الدماء، لا تزال حية في أذهان الجزائريين. ولا يأخذ أي جزائري السلم والاستقرار في وطنه على أنه أمر مسلم به.

وقال جوردون جراي، السفير الأمريكي السابق في تونس : “إن مسؤولي الأمن الوطني في الجزائر لديهم بالفعل الكثير من العمل بسبب التوترات المتزايدة مع المغرب إلى الغرب، واستمرار عدم الاستقرار في ليبيا إلى الشرق، وتدهور الوضع الاقتصادي في تونس، أيضًا إلى الشرق“. “إن عدم اليقين في الجنوب، أي على طول الحدود مع النيجر، هو تطور إشكالي آخر سيحتاجون إلى التعامل معه”.

للتذكير في عام 2012، سيطرت ثلاث جماعات إرهابية جهادية متشددة ــ تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وحركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا، وأنصار الدين ــ على ثلثي مالي، بما في ذلك الأراضي المتاخمة للجزائر. وقد أثارت أزمة الرهائن في عين أميناس عام 2013 مخاوف الجزائر بشأن مواجهة الجماعات الإرهابية العابرة للحدود الوطنية العاملة في البلدان المجاورة. واليوم، يشعر المسؤولون الجزائريون بقلق مماثل إزاء عدم الاستقرار في النيجر، الأمر الذي يخلق فرصاً للجماعات الإرهابية المرتبطة بتنظيم الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة العاملة في البلاد لشن هجمات في مختلف أنحاء المنطقة.

ويشعر المسؤولون الجزائريون بالقلق أيضا إزاء التأثير المدمر الذي قد يخلفه هذا الوضع على سكان النيجر البالغ عددهم 25 مليون نسم خاصة وأن العقوبات التي فرضتها المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا على النيجر في أعقاب انقلاب 26 يوليو/ تموز لم تشمل الإستثناءات الإنسانية ، و الهاجس الآخر الذي يراود الحكومة الجزائرية وهو الوجس من أن يؤدي تواصل الاضطرابات السياسية وتدهور الوضع الاقتصادي في النيجر إلى زيادة تدفق اللاجئين إلى الجزائر وغيرها من البلدان المجاورة، الأمر الذي يهدد الاستقرار الإقليمي بشكل أكبر.

من الواضح أن مخاوف الجزائر بشأن أزمة النيجر تتجاوز التهديد الإرهابي وتفاقم الكوارث الإنسانية. فرغم تأييد الجزائر لاستعادة النظام الدستوري في النيجر، فإنها تعارض بشدة التدخل العسكري من جانب القوات الأجنبية.

وقال ريكاردو فابياني، مدير مشروع شمال أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية، : “تعارض الجزائر كل أشكال التدخل الخارجي في شمال أفريقيا والساحل، سواء كان عسكريًا أو سياسيًا. وتتمسك بمبدأ السيادة وتعتبر أي وجود أجنبي في جوارها انتهاكًا لسيادة البلدان المحلية، بغض النظر عن طبيعة التدخل أو الوجود الأجنبي”.

وأضاف أن “التدخل العسكري ضد النيجر بالنسبة للجزائر سيكون بمثابة كارثة، مستدلين بلآثار التي نجمت عن التدخلات السابقة في ليبيا ومالي التي أدت إلى تفاقم المشاكل القائمة، بدلاً من حلها”، مضيفاً أن “هذه العمليات لها تأثير سياسي وأمني كبير، مع تداعيات يمكن الشعور بها لعقود من الزمن”.

وفي هذا السياق، تحتل الجزائر وضعا فريدا إلى حد ما ــ فهي على خلاف مع فرنسا والمجموعة (الإيواكس) التي كانت تهدد بشن حملة عسكرية لعكس الانقلاب من جانب، و بوركينا فاسو ومالي التي تتعهدان بمساعدة النيجر عسكريا إذا هاجمت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا ا من الجانب الآخر.

والجزائر، التي تعتبر قوة إقليمية ذات وزن ثقيل، تسترشد بحساسياتها ومبادئها في توجيه السياسة الخارجية للبلاد. ولأن الجزائر كانت مستعمرة فرنسية قبل خوض حرب الاستقلال (1954-1962)، فإن الجزائريين ينظرون إلى السيادة الوطنية باعتبارها أمر قدسي. و لعل التاريخ قد يساعدنا على فهم معارضة الدولة الواقعة في شمال أفريقيا في الماضي للتدخلات الأجنبية في ليبيا والعراق ومالي وسوريا.

هذا البلد، تعتبر نفسه رائدا في القضايا المناهضة للإمبريالية والقومية الأفريقية والعربية، وسيعارض دائمًا التدخل العسكري الغربي (وخاصة الفرنسي) في أفريقيا أو الشرق الأوسط أو في أي مكان في الجنوب العالمي. وفي حين تتطور العديد من الدول في استراتيجياتها المتعلقة بالسياسة الخارجية، فإن التزام الجزائر الراسخ بمبادئ ومفاهيم ومؤسسات معينة ظل ثابتًا على مر العقود، مما يجعل موقف الجزائر تجاه النيجر متوقعًا ومميزًا.

وفي هذا السياق، تلعب الجزائر دوراً رائداً في الدعوة إلى حل دبلوماسي للأزمة النيجرية يمنع أي تدخل عسكري خارجي. فمباشرة بعد تدهور العلاقاتبين دول غرب إفريقيا و النيجر، زار وزير الخارجية أحمد عطاف إلى ثلاث دول أعضاء في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا ــ نيجيريا وبنين وغانا ــ بناء على أوامر من الرئيس عبد المجيد تبون. وبعد الزيارات، اقترح عطاف خطة انتقالية مدتها ستة أشهر لإعادة الحكم المدني والديمقراطية إلى النيجر، مشددا على معارضة الجزائر للتدخل العسكري الأجنبي ،

 عطاف اكد في هذا السياق، أن الجهات الفاعلة الخارجية ستُمنع من عبور المجال الجوي الجزائري كجزء من أي تدخل. و كانت تهدف الخطة المكونة من ست نقاط إلى “صياغة ترتيبات سياسية بقبول جميع الأطراف في النيجر دون استبعاد أي طرف” في غضون فترة الستة أشهر، وفقًا لكبير الدبلوماسيين الجزائريين، الذي أجرى أيضًا اتصالات مع أعضاء المجلس العسكري، فضلاً عن القادة المدنيين النيجيريين، على أن تشرف على هذه العملية “قوة مدنية يقودها شخصية توافقية”.

قبل أن يعلن عطاف عن خطة الجزائر، وضعت القيادة العسكرية في النيجر، بدعم من بوركينا فاسو ومالي، خطتها الخاصة المختلفة تمامًا : دعت بموجبها المجلس العسكري إلى فترة انتقالية مدتها ثلاث سنوات لاستعادة النظام الدستوري، في حين رفضت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا هذه الخطة على الفور، مؤكدة أن ثلاث سنوات فترة طويلة للغاية. حتى أن بعض الأعضاء وصفوا اقتراح المجلس العسكري ب”الإستفزازي”.

أملت الجزائر أن يقدم اقتراحها حلا وسطا يحفظ ماء الوجه لجميع الأطراف ويؤدي أيضا إلى استعادة الديمقراطية في النيجر مع منع أي عمل عسكري ضد هذا البلد الذي يفتقد إلى منفذ بحري والخاضع للعقوبات.

ولحسن الحظ بالنسبة للجزائر، هناك دعم دولي متزايد من الحكومات الأجنبية، مثل إيطاليا ، لجهود الوساطة التي بذتلها الدبلوماسية الجزائرية، مع تصاعد المواجهة بشأن النيجر. وقال فابياني: “إذا نجحت هذه الجهود الدبلوماسية، فقد تعزز دور الجزائر في منطقة الساحل، وهو أحد أهداف الجزائر طويلة الأجل في المنطقة”.

ولم تتخذ واشنطن موقفا بشأن خطة الجزائر، واتبعت عموما نهجا أكثر حذرا و تهورا من باريس، وهو ما يشكل مصدرا للانزعاج بين حليفي الناتو. وعلى الرغم من المهمة المبكرة الفاشلة التي قام بها مسؤول كبير في وزارة الخارجية للتواصل مع المجلس العسكري، فقد رفضت الولايات المتحدة حتى الآن وصف الإطاحة ببازوم بأنها “انقلاب”، وهو قرار قانوني من شأنه أن يتطلب من الولايات المتحدة إنهاء المساعدات العسكرية لنيامي، الشريك الرئيسي في مكافحة الإرهاب بمنطقة الساحل لسنوات.

ومع ذلك، يبقى مدى النفوذ الذي تمتلكه الجزائر لتحقيق ذلك قيد الترقب، والأهم من ذلك، مدى استعداد السلطات العسكرية للاستماع، في ظل الاستقطابات الإقليمية حول هذه القضية”.

وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية : “تظل الولايات المتحدة تركز على الجهود الدبلوماسية الرامية إلى التوصل إلى حل سلمي للحفاظ على الديمقراطية التي اكتسبتها النيجر بشق الأنفس. نريد جميعًا نهاية سلمية لهذه الأزمة والحفاظ على النظام الدستوري”.

وبالنظر إلى المستقبل، يدرك المسؤولون في الجزائر أنه يتعين عليهم معالجة الأزمة النيجرية بشكل عملي مع قبول حدود نفوذ الجزائر في نيامي. ويوضح فابياني أن صناع السياسات الجزائريين “يعملون على وضع جدول زمني مختصر للانتقال”، وتعتقد الجزائر “أن الانقلاب من الصعب عكسه”، الأمر الذي يجعلها تعتقد أن “أسرع طريق للخروج من هذا المأزق هو تسريع الانتقال الذي أعلنه المجلس العسكري وضمان سلامة الرئيس السابق محمد بازوم.

ومع ذلك، يبقى مدى النفوذ الذي تمتلكه الجزائر لتحقيق ذلك قيد الترقب، والأهم من ذلك، مدى استعداد السلطات العسكرية للاستماع، في ظل الاستقطابات الإقليمية حول هذه القضية”.

“اليوم، لا تريد الجزائر إثارة غضب المجلس العسكري في النيجر، ولا تريد أيضًا الدفع نحو التدخل العسكري”، هكذا قالت داليا غانم، المحللة البارزة لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في معهد الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية، “ومع ذلك، تعلمت الجزائر أن موقف عدم التدخل هذا لم يعد فعالاً لأنه يترك الباب مفتوحًا للتدخل الأجنبي كما هو الحال في ليبيا. وبالتالي، فإن [قيادة] البلاد عالقة بين عقيدة قديمة وحقائق إقليمية جديدة. لم يكن أمام البلاد [خيار] آخر سوى [تعظيم] الأمن على حدودها وهذا لا يمكن القيام به دون اتخاذ خيارات صعبة”.

في نظر الرأي العام، ستواصل الجزائر استثمار طاقتها الدبلوماسية. ولكن كما قال جراي ، “ستسعى الجزائر إلى إيجاد السبل للتعاون مع المجلس العسكري لضمان أمن حدودها الجنوبية”.


  • إميلي ميليكين ( Emily Milliken)

محللة في شؤون الشرق الأوسط متخصصة في اليمن وليبيا ومصالح الخليج. تعمل حاليًا كنائبة رئيس أولى ومحللة رئيسية في شركة أسكاري أسوشيتس. يمكن العثور على أعمالها المنشورة في وسائل الإعلام الإخبارية الأمريكية والدولية بما في ذلك: الجزيرة، ذا هيل، ذا ناشيونال إنترست، نيوزويك، ديفينس ون، آل مونيتور، ذا نيو عرب، وعرب نيوز، وغيرها.إن الآراء التي يعبر عنها المؤلفون في كتاب “الحكم المسؤول” لا تعكس بالضرورة آراء معهد كوينسي أو المؤسسات المرتبطة 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى