النيل والفرات هدية “الربيع العربي” لـ”إسرائيل”؟
أحمد زكريا
الأمن المائي مصطلح جديد دخل إلى أدبياتنا العربية منذ قرابة عقدين من الزمن، وتعود جذوره إلى اتفاقية “سايكس بيكو” عام 1916، عندما طلبت الحركة الصهيونية أن يكون للوطن القومي لليهود المحدد في وعد بلفور حدود مائية، تمتد من نهر الأردن شرقًا ومرتفعات الجولان من الشمال الشرقي ونهر الليطاني في لبنان شمالاً، وكان الهدف من ذلك السيطرة على مصادر المياه العربية.
ومع التطورات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الأخيرة.. برزت أهمية بحث ودراسة مسألة الأمن المائي العربي، لأنه وثيق الصلة بالأمن الغذائي العربي، وهذا الأخير يعتبر أهم مكونات الأمن القومي، الذي يتعرض للعديد من التحديات.
كتب يفغيني كروتيكوف، في “فزغلياد“، حول حتمية الحرب بين مصر وإثيوبيا، إن لم يكن اليوم فغدا. وجاء في المقال: يبني الإثيوبيون على النيل الأزرق أكبر محطة للطاقة الكهرومائية في إفريقيا، تفوق المحطة الروسية العملاقة سايانو شوشنسكايا للطاقة الكهرومائية. بناء مثل هذه المحطة الضخمة سيضع إثيوبيا على الفور في المرتبة الثانية في القارة السمراء بعد جنوب إفريقيا في توليد الكهرباء، ومن الناحية السياسية البحتة، سينقل الماء إثيوبيا من قاع الظلام الذي عاشت فيه لحد الآن، إلى صدارة الدول الإقليمية الضاغطة. ملف المياه و التغبر المناخي يتشابك مع قضايا جيوسياسية عديدة تستثمر فيها دول كبرى و إسرائيل لكسر شوكة العرب التي لا تلعب سوى بورقة البترول.
دأبت القاهرة على التحذير من استمرار أزمة سد النهضة، وتأثيرها في استقرار منطقة القرن الأفريقي ووادي النيل، واعتبرت أن إبقاء أزمة سد النهضة هكذا من دون حل مرض للأطراف الثلاثة يؤثر سلباً في السلم والأمن في قارة أفريقيا، علماً بأن السد يمثل تهديداً لحياة ما يقرب من 160 مليون شخص في مصر والسودان، كما يمثل تهديداً لسيادة دولتي المصب.
ما هو جيد للإثيوبيين، ويمثل قفزة إلى مستقبل أكثر إشراقا وفكرة وطنية، يشكل للمصريين رعبا وظلاما. فالنيل الأزرق هو الشريان الرئيس الذي يغذي النيل الكبير، وسيؤدي بناء السد إلى اضمحلال حاد في مياه الوادي حيث يعيش ما يصل إلى 90% من سكان مصر..
في العام 2019، أمكن تجنب صراع مفتوح (بين إثيوبيا ومصر) في قمة روسيا وأفريقيا في منتجع سوتشي. فقد تمكن الكرملين، بطريقة أو بأخرى، من جعل رئيس مصر السيسي ورئيس وزراء إثيوبيا يجتمعان في غرفة واحدة
أما التفاقم الحالي فيرجع إلى حقيقة أن الإثيوبيين بدأوا في ملء خزان السد منذ عامين و من المتظر امتلاءه السنة المقبلة.
انتهت جولات المفاوضات بين أديس ابابا و القاهرة بلا شيء. ولم يعد بالإمكان إيقاف إثيوبيا عن المسار الذي اختارته وشجعتها فيه إسرائيل ودول غربية فيما القاهرة، تفتقر، منذ زمن طويل، إلى الأدوات لممارسة مثل هذا الضغط على أديس أبابا. الأمور، تسير نحو الحرب، وما يمكن هو فقط تأجيلها عدة سنوات حتى يعمل المشروع بكامل طاقته، وتظهر عواقبه الواقعية على الحياة العامة في مصر. وبعد ذلك، لن يكون أمام القاهرة خيار سوى محاولة حل المشكلة بطريقة قاسية.
والآن، من غير المفهوم عن أي “حل وسط” يمكن أن يدور الحديث. فقد قضي الأمر. مصر، هي المذنبة في تفويت الفرصة. يمكن إرسال تهنئة حارة لـ”الربيع العربي” و”الإخوان المسلمين“. “بالنظر إلى مصر، التي تعتمد على نهر النيل في ما يقرب من 97 في المئة من احتياجاتها من المياه لجميع الأغراض، ستتضرر مستقبلاً حصة القاهرة المقدرة بـ55.5 مليار متر مكعب، مما سيؤدي إلى “بور” الملايين من الهكتارات الزراعية، وتوليد الكهرباء من السد العالي، قد يضطر مصر للجوء بشتى الطرق لستغلال الحوض الغربي الليبي للمياه الجوفية مما قد يشكل مصدر توتر عربي عربي آخر المنطقة في غنا عنه.
منبع الدجلة والفرات ومشروع القرن التركي لإحياء أمجاد الأمبراطورية العثمانية
حاجة تركيا إلى الانتهاء من التهديد الكردي، دفعت الأتراك إلى التنازل وقبول الحديث عن هواجس العراقيين في موضوع المياه، عبر تشكيل لجان لبحث الأمر، والذي عدّه الرئيس إردوغان مرتبطاً بهدر المياه وعدم ترشيد استخدامها، بينما يرى العراق أن بناء السدود التركية على النهرين المشتركين (دجلة والفرات) أثّر في تدفق المياه إلى العراق، وخصوصاً بعد إنجاز تركيا بناء سد كيبان -وهو أحد السدود الضخمة – وتخزين المياه فيه، الأمر الذي أدى إلى نقص المياه في العراق إلى حد كبير، وبعدها قام الأتراك ببناء سد إليسو، الذي افتُتح عام 2018، بينما كان العراق منهمك في محاربة داعش و الجماعات اللإرهابية الأخرى وجعل المناطق العراقية تعاني التصحر والجفاف والهجرة الجماعية للفلاحين.
ويعد نهر دجلة إلى جانب الفرات شريان الحياة بالنسبة للكثير من العراقيين، إذ يغذي النهران محطات المياه وتستخدم مياههما لري الحقول على طول ضفتيهما.
ويتساءل الخبراء حول مدى تمسك تركيا بالإتفاقية المبرمة مؤخرا إثر زيارة أوردغان إلى بغداد والتي توجت بالتوقيع على اتفاقية مدتها 10 سنوات بشأن إدارة الموارد المائية، مما يضمن للعراق نصيبه من الماء. خاصة وعزم الطرفان بالتعاون في مشاريع البنية التحتية المشتركة للمياه، خاصة وان احتياجات البلدان و انخراطاتهما في الملفات الدولبة والإقليمية غالبا ماتكون متضاربة.
ومنذ عام 2017، أدى نقص المياه في العراق إلى اتخاذ إجراءات مثل حظر زراعة الأرز، ودفع مزارعين إلى هجر أراضيهم، كما شهدت مدينة البصرة احتجاجات استمرت أشهر بسبب عدم توفر مياه صالحة للشرب.
ويعد سد إليسو من أكبر السدود المقامة على نهر دجلة، بطول 1820مترا وارتفاع 135 مترا وعرض كيلومترين، وتقدر مساحة حوضه بـ300 كيلومتر مربع
ويستوعب سد إليسو في حالة امتلائه كليا بالمياه ما يقرب من 20.93 مليار متر مكعب، وسيولد 1200 ميغاوات من الكهرباء، ليصبح رابع أكبر سد في تركيا من حيث الطاقة الإنتاجية
ورقة أسرائيل في حروبها القادمة مع فلسطين, الأردن, مصر و السودان
لم يكتفي الأحتلال بهذا فحسب بل حيث, نشرت مجلة ناشيونال إنترست الأميركية مقالا تحليليا مطولا للكاتب تايلر هيدلي يحذر فيه من أن الشرق الأوسط على أعتاب حرب محتملة على الموارد المائية، وذلك لتنضاف إلى قائمة الصراعات التي اندلعت في المنطقة منذ بداية القرن الحالي.
وينسب الكاتب إلى هانز فان جينكل مساعد الأمين العام لالأمم المتحدة تصريحه بأن “الصراعات على المياه -سواء كانت على شكل حروب دولية أو أهلية- تهدد بأن تصبح جزءا أساسيا من المشهد في القرن الواحد والعشرين”، وما لم يتم القضاء على العوامل المسببة لاندلاع الصراع، فستجد الولايات المتحدة وحلفاؤها أنفسهم في خضم حرب جديدة في الشرق الأوسط.
ويضيف الكاتب أن العديد من الدول الواقعة في حوض نهر الأردن مثل سوريا وفلسطين وإسرائيل ولبنان والأردن تعوّل على مياهه، غير أن لديها تاريخا مشتركا لا يخلو من الصراعات.
كيف كرّست الاتفاقيات احتكار «إسرائيل» لمياه نهر الأردن؟
هذا السؤال طرحه الصحفيين مارك زيتون و منى دجاني على صحيفه حبر عند استعادت الأردن منطقتي الباقورة و الغمر اللتين سيطرت عليهما “إسرائيل” وعملت على زراعتهما منذ ما يزيد على 50 عامًا. تقع الغَمر (التي يسميها الإسرائيليون تسوفار) جنوب البحر الميت في صحراء النقب، فيما تقع الباقورة (لتي يسميها الإسرائيليون نهاريم) على بقعةٍ خصبة يلتقي عندها رافد رئيسي بنهر الأردن.
إن وجود المسطحات المائية في هاتين المنطقتين لم يكن من قبيل الصدفة، فما كانت “إسرائيل” لتحتلَ أيًا منهما لولا وجود الماء الذي يحتاجه جيش الاحتلال والكيبوتسات أي المستوطنات لريّ المزارع وإدامتها.
لقد استطاع الأردن استعادةَ هذه الأراضي بناء على بندٍ نصّت عليه معاهدة السلام الموقعة في 1994 بين الأردن و”إسرائيل”. ونص البند على السماح لـ”إسرائيل” بالاستفادة من المنطقتين بموجب نظام خاص لمدة 25 عامًا، يمكن لأي من الطرفين التراجع عنه قبل نهاية المدة بسنة، وهو ما فعله الأردن. لكن في المقابل، ضمنت البنود المتعلقة بالمياه في الاتفاقية نفسها استمرار جفاف الأردن، الذي يُعد من أكثر البلدان قحلًا في العالم.
وفي الوقت نفسه، لا يجد المزارعون الفلسطينيون ما يكفي من المياه، بعدما باتت حصتهم منها محكومة باتفاقية مائية موقعة معدولة الإحتلال، سنة 1995 كجزء من عملية أوسلو الثانية. وكلما انخفضت مستويات المياه، ازدادت التوترات. وتتفاقم الحال سوءًا مع حلول موسم الصيف.
تمتلك “إسرائيل” ميزةً تفاوضية في الاتفاقات المائية لأنها تسيطر على معظم المياه بينما تحتاجها أقل من سواها. غير أنّ ما يتوجب التصدي له أولًا هو الفِكر الذي قاد إلى هذه الاتفاقات في المقام الأول – عقيدةٌ اقتصادية لا ترى في الماء سوى سلعة للبيع أو المتاجرة، وأيديولوجيةٌ سياسية إسرائيلية مُنكبة على احتكار أكبر قدرٍ من المياه، كجزء من السيطرة المستمرة والمتزايدة على الأرض. يشهد نهر الأردن جفافًا منذ العام 1964، حين احتكرت “إسرائيل” بحيرة طبريا (المعروفة أيضًا باسم بحر الجليل) بالقرب من منبع النهر. ومنذ ذلك الحين والبحر الميت عند مصب النهر يُحتَضر.
النيل والفرات هدية “الربيع العربي” لـ”إسرائيل”؟
جاء الاهتمام بجنوب السودان وتحريض المُتمرّدين هناك للانفصال في إطار حسابات تل أبيب و رعاتها للسيطرة على منابع النيل، حدود “إسرائيل الكبرى“. ويصبّ الدعم الإسرائيلي لإثيوبيا في مسعاها إلى بناء سدّ النهضة على النيل الأزرق في نفس الإطار.
هنا تكتسب أحداث “الربيع العربي” وما أدَّت إليه من دمارٍ في العراق وسوريا، وحتى في اليمن بمكانته التاريخية، أهمية إضافية وفق المنظور الصهيوني الذي حقَّق أهدافه في مصر التي تواجه منذ ثماني سنوات الكثير من المشاكل الداخلية الصعبة والمُعقَّدة والتي يبدو وكأنها لن تنتهي. فقد أهملت القاهرة مشروع سدّ النهضة الذي سيكون وبتحريضٍ من تل أبيب بدايات الحرب الإفريقية المائية ضد مصر وعبر دعم تل أبيب لدول منابع النيل، وهو ما يهدد مصر على المَدَيين المتوسّط والبعيد.
وتسعى تل أبيب من خلال التواجد الأميركي والأطلسي شرق الفرات وعبر تحالفاتها مع أكراد المنطقة عموماً إلى إحكام سيطرتها على حوضيّ دجلة والفرات ما دامت تركيا غير قادرة لحد الساعة على القضاء على الحركات المسلحة الكردية تماما.
وتُفسّر ذلك خطط الرئيس التركي الراحل تورغوت أوزال لمدّ أنابيب المياه إلى “إسرائيل” بحيث تصدّت له آنذاك سوريا، وهي الآن هدف مُجمَل السياسات الإقليمية والدولية بكل عناصرها السرية والعلنية التي كانت ولاتزال تركيا لاعبا فيها، و هو ما يفسر انخراط أنقرة في الحرب المدمرة على سوريا.
فكلما تأخّر الحل واستعصى في سوريا لأسبابٍ تركيةٍ أو إقليميةٍ أو دوليةٍ في ظلّ انعكاسات ذلك على الوضع الداخلي السوري، فإن حرب المياه سوف تقترب طالما أن سدود الفرات تغطي ما لا يقلّ عن 70% من احتياجات حلب من المياه، وبالتالي هي تروي ما لا يقلّ عن 50% من حاجيات سوريا من المُنتجات الزراعية، ومن دونها لن يبقى لسوريا أيّ معنى حتى على الخارطة الجغرافية، وهي الحال بالنسبة إلى مصر. وبذلك يُحقّق “الربيع العربي” هدفه الاستراتيجي الأخطر، وهو تدمير ثلاث دول عربية أساسية وفق حسابات بن غوريون، وهي مصر وسوريا والعراق
المصادر |
مجلة ناشيونال إنترست، جريدة حبر، سكاي ،يوز- الجزيرة
https://arabic.rt.com/press/1124857-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AB%D9%8A%D9%88%D8%A8%D9%8A%D9%88%D9%86-%D9%8A%D8%B4%D9%8A%D8%AF%D9%88%D9%86-%D9%85%D9%88%D9%82%D8%B9%D8%A7-%D9%8A%D9%85%D9%83%D9%86-%D8%A3%D9%86-%D9%8A%D9%82%D8%B6%D9%8A-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D9%85%D8%B5%D8%B1/RT Arab