للإعلان
ليبيا

“ظلال سلالة حفتر: تحقيق في الأصول الليبية المجمدة في الخارج”

أظهر تحقيق أجرته صحيفة بلجيكية مؤخرًا متاهة مالية حقيقية تحيط بالأموال الليبية المجمدة في الخارج. تم اكتشاف آلاف الوثائق التي تثبت اختفاء جزء مقلق من الفوائد المستحقة، بينما يبقى مصير جزء آخر في الظلام، مما يغذي التكهنات. وفقًا لعدة مصادر، يُزعم أن هذه الأموال قد تم تحويلها لتمويل الميليشيات التي تعمل في ليبيا، مما يضيف بعدًا مقلقًا لهذه القضية المعقدة.

Mf

كتبه | عبد الرحمان بن ناجم


انفجرت هذه الفضيحة في وقت قامت فيه عشيرة المشير المزعوم خليفة حفتر، الشخصية المثيرة للجدل في المشهد الليبي، بشل الإنتاج بحقل الشرارة النفطي و هو أكبر حقل إنتاج بترولي بليبيا. تُعتبر هذه الخطوة ردًا على اعتقال ابنه، الجنرال صدام حفتر جونيور، من قبل الشرطة الإيطالية، مما يثير تساؤلات حول الدوافع الحقيقية لعائلة حفتر وعلاقتها بأنشطة مشبوهة.

صدام حفتر، أصغر إخوته، يرجح غالبًا انه “الخليفة المحتمل” للرجل القوي الذي يسيطر على شرق ليبيا منذ ما يقرب من عقد من الزمن. و أدانت حكومة طرابلس المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، سياسة الابتزاز الاقتصادي والأمني التي ينتهجها حفتر والقوى الخارجية التي تدعمه، لتسوية خلافاته مع خصومه.

جهود العدالة البلجيكية

كشف التقرير الذي نُشر الأسبوع الماضي في صحيفة “ليكو” و “لوسوار” البيجيكيتين عن الجهود المستمرة للعدالة البلجيكية لتتبع حوالي 2.3 مليار دولار من الفوائد المرتبطة بالأموال الليبية المجمدة، بعد أكثر من سبع سنوات من التحقيقات الدقيقة. تم التأكد على أن هذه الأموال أُفرج عنها بشكل غير قانوني بين عامي 2012 و2017، وهي فترة بدا فيها أن آليات الرقابة قد فشلت. كما كشفت التحقيقات عن تحويل مبالغ كبيرة إلى حسابات في لوكسمبورغ والبحرين، مما ترك مصير حوالي 800 مليون دولار غير واضح، ويُشتبه في أنها استخدمت لتمويل الميليشيات والمرتزقة الذين يعملون تحت رايات مختلفة في ليبيا الممزقة بسبب الحروب الأهلية المدعومة من قوى أجنبية.

تسلط التحقيقات الضوء على الضغوط التي قد تكون مارستها دوائر مالية أوروبية للحفاظ على الغموض حول هذا التداخل السياسي والمالي. فبتباطؤ العملية القضائية، التي بدأت تحت إشراف القاضي المتقاعد ميشيل كليزي وانتقلت إلى القاضي بول جيرار، يكشف عن حساسية هذه القضية.

حصلت صحيفة “ليكو” على آلاف الصفحات من الملف المعروف باسم الأموال الليبية، مما يشير إلى أن العدالة تمكنت جزئيًا من تتبع مسار مئات الملايين من الدولارات التي أُفرج عنها بشكل غير قانوني. وهذا يشكل انتهاكًا صارخًا للوائح الأمم المتحدة التي فرضت تجميد الأصول الليبية في الخارج بعد الهجمة الدولية بقيادة الناتو على ليبيا و التي انتهت بإغتيال القائد الليبي معمر القذافي.

أصل الفضيحة

لفهم حجم هذه القضية، تعود الصحيفة البلجيكية إلى أحداث أكتوبر 2011، عندما فرضت الأمم المتحدة حظرًا على الأسلحة وجمدت الأصول الليبية، بما في ذلك أموال الصناديق السيادية لليبيا، مثل الهيئة الليبية للاستثمار وشركتها التابعة “لافكو“. في ذلك الوقت، تم تجميد مبلغ ضخم قدره 14 مليار يورو في بنك “يوركلير” في بروكسل، وهو مبلغ الذي أسال لعاب الكثير على مر السنين.

تشمل هذه الأصول الليبية السيولة والأسهم والسندات، و تنتج بشكل منطقي فوائد كبيرة. تدور حول هذه الفوائد القضية المتعلقة بالأموال الليبية، مما يكشف عن إمكانية التلاعب التي أدت خيوطه إلى خارج الحدود الليبية.

ففي أكتوبر 2012، بعد تحديث اللوائح الأوروبية المتعلقة بتدابير الأمم المتحدة، وبعد موافقة خطية من وزير المالية في ذلك الوقت، تم السماح لبنك “يوركلير” بـ “تحرير” الفوائد على هذه الأموال المجمدة. ومع ذلك، في عام 2018، اعتبر خبراء لجنة العقوبات التابعة للأمم المتحدة أن هذا الإجراء يمثل انتهاكًا واضحًا للتدابير المجمدة، مما يثير تساؤلات حول شرعية هذه القرارات.

بين عامي 2012 و2017، بينما كان القاضي كليزي يأمر بمصادرة 14 مليار يورو من الأصول الليبية بناءً على شكوى من جمعية مرتبطة بالأمير لوران السابق، تم اكتشاف أن أكثر من 2.3 مليار دولار من الفوائد قد أُفرج عنها. أصبح هذا الرقم مركزًا لجدل متزايد.

كشف تقرير سري من ديلويت

سمحت التحقيقات بتتبع مسار هذه الأموال بفضل آلاف الوثائق القضائية، بما في ذلك تقرير سري من شركة الاستشارات الدولية “ديلويت“. ويكشف التقرير أن جزءًا صغيرًا من الفوائد والأرباح المجمدة، الذي يصل إلى 54 مليون دولار على الأقل، تم تحويله إلى حسابات الهيئة الليبية للاستثمار المفتوحة في بنك “اتش اس بي سي” في لوكسمبورغ، في إطار اتفاقية عام 2007. ومع ذلك، بقيت جميع إيرادات الاستثمار المستلمة من “يوركلير” إلى “اتش اس بي سي” مجمدة، دون أي أثر للتحويل إلى حسابات أخرى أو إلى أطراف ثالثة، مما يثير تساؤلات حول شفافية هذه العمليات.

في سياق مشابه، تم إعادة استثمار حوالي 1.45 مليار دولار في ودائع قصيرة الأجل لدى بنك البحرين والكويت، حيث يمتلك البنك المركزي الليبي حصة فيها. بعد خصم الرسوم الإدارية، من المتوقع أن تتلقى الهيئة الليبية للاستثمار 1.556 مليار دولار، مما يثير الشكوك حول تسرب رأس المال الليبي.

بالإضافة إلى ذلك، تبقى حوالي 800 مليون دولار من الفوائد المفرج عنها من “يوركلير” دون وجهة محددة بوضوح، مما يضيف طبقة من الغموض إلى هذه القضية المعقدة.

مخاطر تمويل الميليشيات

جانب آخر مقلق من هذه القضية هو أن بعض هذه الأموال المفرج عنها، بعد موافقة وزارة المالية البلجيكية، قد تكون ساهمت في تغذية الصراع في ليبيا. يستشهد الصحيفة بتقديرات خبراء الأمم المتحدة في عام 2017، التي تشير إلى أن الجماعات المسلحة تتدخل في إدارة وتمويل مؤسسات مثل الهيئة الليبية للاستثمار، مما يزيد من التوترات الداخلية.

سلط التقرير النهائي للأمم المتحدة في عام 2018 الضوء على “السلوك المفترس” لهذه الجماعات المسلحة تجاه الهيئة الليبية للاستثمار، كاشفًا عن تدخلات مباشرة في أنشطة المؤسسة، مما أدى إلى تهديدات ضد الإدارة.

تخلص التحقيق إلى أن عدم الاستقرار الواضح للهيئة الليبية للاستثمار بعد ثورة فبراير، جنبًا إلى جنب مع عجز العدالة البلجيكية عن تحديد المستفيدين الحقيقيين من الأموال الليبية المفرج عنها، يثير مخاوف بشأن غسيل الأموال. تحمل هذه القضية المتعلقة بالأموال الليبية المجمدة العديد من الأسرار، مما يترك المجال مفتوحًا لعواقب قد تتجاوز الحدود الليبية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى