رهانات زيارة رئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني إلى تونس
إلى أي حد إيطاليا مستعدة لدفع ثمن إعادة بناء شراكتها مع شمال إفريقيا أمام شركاءها الأوربيين؟
بقلم | أحمد زكريا _ ترجمته للعربية | فريال لعويني
وحظيت رئيسة الحكومة الإيطالية باستقبال في قصر قرطاج من رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد حيث استمرت المحادثات قرابة ساعتين. ولدى وصولها إلى قصر قرطاج، استقبلها الرئيس سعيد بحفاوة قائلاً: “إنها امرأة تقول عاليا ما يقوله الآخرون بصوت خافت”. كما أفادت الصحف الإيطالية بوجود “شعور جيد” بين الطرفين ما تجلى في أن المحادثات استغرقت مدة أطول من المعمول بها في بروتوكولات اجتماعات تبادل وجهات النظر.
واستقبلت ميلوني في الصباح لدى وصولها مطار تونس قرطاج من قبل رئيسة الوزراء التونسية نجلاء بودن، التي أجرت معها محادثة أطول مما كان متوقعا، أكدت السيدة جورجيا ميلوني إثر لقاءها مع السيدة نجلاء بودن أن إيطاليا تؤكد دعمها “الشامل” لتونس.
وفي ختام لقائها مع سيد قصر قرطاج الذي يرفض بشكل قاطع الرضوخ لضغوط المؤسسات المالية العالمية والاتحاد الأوروبي، أكدت ميلوني أن إيطاليا تدعم كل الاقتراحات لمساعدة تونس للخروج من الأزمة شرط أن يتم تنفيذها برؤية خالية من “الأبوية والإفتراسية”…
“لقد أبلغت الرئيس سعيد بالجهود التي يبذلها بلد صديق مثل إيطاليا لمحاولة التوصل إلى نتيجة إيجابية عادلة لاتفاقية تمويل تونس مع صندوق النقد الدولي، والتي تظل أساسية لتعزيز البلاد وتعافيها التام. وأكدت أن بلادها اتخذت إجراءات لدعم تونس في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي على مستوى الاتحاد الأوروبي ومجموعة السبعة.
وقالت ميلوني “تدعيم استقرار الإطار السياسي والأمني ونمو الديمقراطية في تونس ليس ضرورة لتونس فحسب بل أيضا لإيطاليا، حتى نمكن معا شراكتنا الوصول إلى مستوى الإمكانات الهائلة التي يزخر بها البلدان من وجهة نظرنا” مضيفة أنه “في هذا الوقت الصعب الذي تفرضه تطورات الساحة الدولية «أردت أن أؤكد دعم إيطاليا الكامل للرئيس سعيد”.
وفي السياق ذاته، أكدت جورجيا ميلوني أن استقرار تونس يظل قضية حيوية لبلدها، خاصة وأن البلدين يطمحان إلى أن يصبحا مفترق طرق أساسيين لتزويد الكهرباء بالنسبة لأوروبا وأفريقيا، وذلك بفضل بناء الكابل البحري الكهربائي ElMed.
وتجدر الإشارة أن زيارة رئيسة الحكومة الإيطالية تأتي في الوقت الذي تقود الدول الأوروبية فيه سباقًا حقيقيا ضد الزمن، لمواجهة النفوذ المتزايد للمنافسين الجادين مثل الصين وروسيا في المنطقة، فيما لا تشترك روما تمامًا في هذا النهج في علاقات تجاه تونس، لا سيما فيما يتعلق بمشكلة تدفقات الهجرة غير الشرعية ومسألة الحوكمة، وغالبا ما يسبب ذلك في مشاكل بين الحكومات الإيطالية المتعاقبة بمختلف مشاربها السياسية، وشركاءها في الاتحاد الأوروبي.
وفيما يتعلق بالمفاوضات مع صندوق النقد الدولي، جدد رئيس الجمهورية رفضه لأي إملاءات. وبهذا المعنى، لم يتوانى السعيد عن انتقاد “الذين يكتبون الوصفات الجاهزة” واصفا إياهم “بالطبيب الذي يكتب وصفة قبل تشخيص المرض”. فبالنسبة له، فإن هذه التوصيات ستفجر الوضع ولن تؤثر فقط على السلم الأهلي في تونس، بل على المنطقة بأسرها دون استثناء.
وانتهز رئيس الدولة التونسية الفرصة ليذكر أنه في حالة عدم إعادة الأصول التونسية المختلسة والموضوعة في البنوك الأوروبية، فإن إلغاء الديون التي تثقل كاهل الدولة التونسية وتحويلها إلى مشاريع تنموية سيكون حلاً عمليًا كذلك
وبخصوص مسألة تدفق الهجرة غير النظامية التي كثيرا ما تستخدم كورقة ضغط عند كل نزاع بين تونس وبروكسل، أشار الرئيس التونسي إلى أن الهجرة غالبا ما توصف بأنها سرية أو غير نظامية، بينما هي في الواقع هجرة “غير إنسانية”.
وشدد الرئيس التونسي دفاعا عن وجهة نظر الدولة التونسية، على أن هذه الظاهرة التي تزداد سوءا يوما بعد يوم لا يمكن معالجتها إلا بشكل جماعي، وداعيا إلى حل مشترك في إطار قمة تجمع كل الدول المعنية، من جنوب المتوسط ودول الساحل ودول شمال البحر الأبيض المتوسط: “كل الطرق لم تعد تؤدي فقط إلى روما، ولكن أيضًا إلى تونس” أردف قائلا مضيفا أن هذا ليس بالطبيعي، لا بالنسبة لتونس ولا بالنسبة للبلدان التي يتدفق إليها المهاجرون “، مشيرا إلى وجود شبكات إجرامية عابرة للحدود تتاجر بالبشر والأعضاء البشرية، تعمل بين البلدان الأفريقية ودول شمال المتوسط و التي يجب محاربتها بجدية.
ومن هذا المنطلق، يؤيد الرئيس نهج الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بالتأكيد على أن الحل ضد هذه الآفة “لا يمكن أن يكون أمنيا بحتا، بل بالمعالجة الجماعية لأسبابها وذلك ببث الأمل في نفوس المهاجرين حتى لا يتركوا أوطانها عبر مشاريع تنموية إدماجيه متكاملة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي.
وبينما لا تزال بعض الدول الأوروبية تتمسك بأساليب تقليدية قائمة على الضغط السياسي والإعلامي، تفضل إيطاليا التي تتذكر العواقب الوخيمة للتدخل الأوروبي في ليبيا، والذي انتهى بمستنقع متوهج لا زالت تدفع ثمنه حتى الآن، النهج البراغماتي الذي يأخذ بعين الاعتبار، احتياجات أحد أكبر شركاءها في الشمال الإفريقي.
ومن جانبها، ومنذ الأزمة الأوكرانية، لم تخف روما رغبتها في إعادة البناء بنظرة شاملة، علاقاتها مع جاراتها الثلاث ليبيا تونس والجزائر مما يجعلها تتخذ قرارات قد تثير أحيانًا خلافات مع شركائها داخل الاتحاد الأوروبي.
في أغسطس 2022 ، وضعت الأرقام الصادرة عن المعهد الوطني للإحصاء (INS) المتعلقة بالتجارة التونسية للنصف الأول من عام 2022 إيطاليا كشريك تجاري رائد لتونس ، متقدمة على فرنسا. وبلغ التبادل بين البلدين 10.786.2 مليون دينار (3.43 مليار يورو) مقابل 10735 مليون دينار لفرنسا. نمو التجارة بنسبة 27.24٪ مقارنة بنفس الفترة من عام 2021.