للإعلان
عربي

فلسطين | من خدعة أوسلو إلى الإبادة الجماعية, الوجه الخفي لدبلوماسية اللامبالاة

“كانت الرسالة التي بعث بها الغرب إلى إسرائيل هي أن التطهير العرقي لفلسطين مقبول، كتعويض عن المحرقة و قرون عدة من معاداة السامية في أوروبا. تم تدمير فلسطين في غضون بضعة أشهر، لكن النكبة مستمرة منذ 75 عاما.» 

إيلان بابي | مؤرخ إسرائيلي.

دراسات رونيه نبا | اقتباس وترجمة ميرة ملاك نورهان


 بمجرد الإمضاء على اتفاق سلام زائف وعلى مدى السنوات الثلاثين الماضية، لجأت إسرائيل إلى كل الخدع والحيل لإفراغ اتفاقات أوسلو الإسرائيلية-الفلسطينية من مضمونها وتحرير نفسها من التزاماتها التي أيدها هذا الترتيب، الذي تبين، في الماضي، أنه فخ ضخم يتمثل في الحصول من منظمة التحرير الفلسطينية على التخلي عن الكفاح المسلح مقابل قيام دولة فلسطين

وكان من بين أهم ركائز مخططها هو القضاء على النخب الفلسطينية. حيث نفذت إسرائيل عمليات اغتيال لأكثر من 50 صحفيا و430 عملية اغتيال ضد الفلسطينيين منذ عام 2000، ; ومنذ احتلال الضفة الغربية وغزة عام 1967 نفذت اسرائيل أكثر من 2700 عملية اغتيال مستهدفة , ناهيك عن الإغتيالات خارج الأراضي المحتلة من مقاومين عرب و أجانب مساندين لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.

دبلوماسية اللامبالاة التي التي مارسها الغرب والأنظمة العربية المطبعة كان لها من دون أدني شك, دور كبير في أن لا يأبه جيش الاحتلال بقتل وببرودة, ما لا يقل عن 103 صحفيين في غزة في غضون خمسة أشهر من الحرب على غزه في7 أكتوبر 2023, تمت إضافة أسمائهم إلى هذه الحصيلة المروعة دون أن تتناول عناوين وسائل الإعلام الغربية والعربية حكاياتهم . السجل المروع للجرائم الجماعية ضد الصحفيين والعاملين في المجال الإنساني والمدنيين، – 70 ٪ منهم من النساء والأطفال-، حطم بشكل جذري سرديات الكيان الصهيوني وحلفائه، التي أنفقت عليها مليارات الدولارات لرسم صوره لجيش مهني لا احتلال و دولة مثاليةلا دولة فصل عنصري.  

تم القضاء على القادة الفلسطينيين الرئيسيين من خلال الاغتيالات خارج نطاق القضاء. كان على رأسهم ياسر عرفات، رئيس منظمة التحرير الفلسطينية (عن طريق التسمم) ونائبيه خليل الوزير، الملقب بأبو جهاد، من منظمة التحرير الفلسطينية ورئيس فرعها العسكري وصلاح خلف، الملقب بأبو إياد، رئيس الأجهزة الأمنية، كلاهما اغتيلا في تونس. كذلك الأمر بالنسبة للزعيمين التاريخيين لحماس، الشيخ أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي. هكذا دفعت كل من فتح وحماس الثمن لهذه المجزرة حيث استهدفت بالاغتيالات الفردية, الفرع الفلسطيني من جماعة الإخوان المسلمين كلا من الزعيمين التاريخيين للحركة وكذلك القادة العسكريين في غزة والضفة الغربية، تمهيدا لمشاريع أوسع ولا تقل بشاعة. “الربيع العربي”

الصداقة المدوية بين أمير قطر في ذلك الوقت، حمد بن خليفة آل ثاني وبين الأكثر تأييدا لإسرائيل من بين الرؤساء الفرنسيين، نيكولا ساركوزي وشراكتهم في تدمير العالم العربي (ليبيا وسوريا) لم تكن مفيدة له، ولا حتى الزيارة المذهلة للأمير إلى غزة في خطوة واضحة للاعتراف بالحقيقة الإسرائيلية. 

قطع رأس قيادة حماس، التي أوقفت في2011، تضامنها الاستراتيجي مع سوريا للانضمام إلى قطر، لم يثر أدنى تعليق من المفتي التلفزي للناتو وواعظ قناة الجزيرة، يوسف القرضاوي، الذي كان أسرع في المطالبة بقصف سوريا من قبل الناتو بدلا من التنديد بالسياسة الإجرامية للكيان الصهيوني و أتباعه.

لقد كانت استراتيجية زعزعة الاستقرار التي تتبعها إسرائيل ثابتة، دون توقف، كما يتضح من التسلسل الزمني التالي. فعشوائية التقويم لم تكن قط مصادفة بل سبق وإصرار. 

فمن الغارة على مطار بيروت في ديسمبر 1968، إلى تدمير محطة طاقة تموز العراقية في يونيو 1981، تحية لاعتلاء الرئيس الاشتراكي الفرنسي فرانسوا ميتران رئاسة الإليزيه، وثنيه عن مواصلة التعاون النووي مع العراق، إلى ضم مرتفعات الجولان السورية والقدس، إلى الغزوتين الإسرائيليين للبنان، إلى الغارات على تونس للقضاء على المقربين الرئيسيين من ياسر عرفات، المسؤول العسكري، أبو جهاد والمسؤول الأمني، أبو إياد، أطلقت إسرائيل العنان لحوشيتها بضمان من القوى الغربية وبما يرضي الملكيات العربية المطبعة. 

وأدى الإفلات من العقاب خلال هذه الفترة بعد ثلاثين عاما من أوسلو إلى “ديمقراطية وهمية” تحكمها عصابة من المتطرفين، في بلد لا طالما حاولت إسرائيل وداعميها ووصفه “بالديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط”  والمتهمة الآن بممارسة “جرائم الفصل العنصري”، “جرائم الحرب” و”الإبادة الجماعية”. كما أن التواطؤ الغربي الاستثنائي تجاه الدولة اليهودية, يجعل من البلدان الغربية عرضة للاتهام بالتواطؤ في جريمة المشاركة في “الإبادة الاجتماعية” ضد الشعب الفلسطيني.  

سجل مهووس وجدير بأسوأ الديكتاتوريات. على خلفية الإفلات التام من العقاب الذي يولد أعراض التهاب الرأس الكبير (متلازمة الرأس الكبير) على شاكلة مفترس هوليوود هارفي وينشتاين والمحتالين الماليين الأمريكيين، برنارد مادوف ومارك ريتش، صديق بيل كلينتون الذي تم العفو عنه. إضافة إلى سلوك “دولة مارقة” مثالية، يتقاذفها سيل من الفضائح ذات التداعيات العالمية.

حتى وإن تبدو الأمور والفضائح أحيانا غير مترابطة، إلا إن تحكم تلك النخب المالية في الدول الغربية وسياساتها بطريقة تغذي الكيان الصهيوني على حساب أي بلد آخر, عدوا كان أو حليف أصبح جليا من خلال تعامل الغرب مع ما يحدث في غزة من تطهير عرقي ممنهج.  منها عملية احتيال ضريبة الكربون في سوق الحق في التلويث, المتعلقة برجال أعمال الفرنسيين والإسرائيليي الجنسية والذين فروا إلى الكيان “هربا من العدالة”: استقر سيريل أستروك، فابريس ساكون، ميشيل كسلاسي، إدي إبيتان، في رعنانا بالقرب من تل أبيب، وأخيرا مردوخمولي، كلود درايي مالك قنوات بي أف أم تيفي الفرنسية و إي24 الإسرائيلية.

يضاف إلى تلك الفضائح الكشف عن نظام التجسس العالمي «بيغاسوس” وهي برامج تجسس قوية كانت وراءها الشركة الإسرائيلية “أن أس أو” وأداتها المخزن المغربي. وأخيرا “تيم جورج”, فضيحة أخرى لا تقل خطورةسميت على اسم الشركة الإسرائيلية التي تعمل في مجال التضليل الإعلامي الواسع التي يقودها مخبر في تل أبيب اختص في تطوير وبيع برمجيان التجسس في جميع أنحاء العالم. 

 كيف أصبح الاتهام بمعاداة السامية سلاحا دمار شامل يبيد أي انتقاد لإسرائيل

لا يمكن أن تشكل حرية التعبير، وهي أساس الديمقراطية، شكلا من أشكال معاداة السامية. باستثناء التحرك في نظام شمولي. لا يمكن لأحد أن يفلت من النقد. لا يمكن لأحد أن يعفي نفسه من أي نقد، لا فرد ولا نظام، ولا دولة، أن تحتكر العنف المشروع. والاتهام بمعاداة السامية لا يمكن أن يصبح سلاح دمار شامل لإسكات أي انتقاد لإسرائيل. 

“لم يكن الفاشيون هم من أسقطوا جمهورية فايمار ولكن الافتقار إلى الديمقراطيين. في القرن العشرين، دعونا نتذكر ذلك، فشلت الدول في زمن النازية والفاشية، بالاستسلام تحت ضغط الأقليات ” (ريتشارد فون فايزجيكر, رئيس الجمهورية الفيدرالية الألمانية من 1984 إلى 1994).  

من النرويج 

“أوسلو هي أيضا مكان لمذبحة مروعة، في يوليو 2011، من أعراض تجاوزات الفكر الغربي من حيث أنها كشفت للعلن التحالف بين اليمين المتطرف الأوروبي وإسرائيل: احتيال أخلاقي لتحالف أحفاد ضحايا الإبادة الجماعية لهتلر مع الورثة الروحيين لجلاديهم السابقين” 

على الرغم من سمعتها المثالية، لا تتردد النرويج في اللجوء إلى ممارسات ملتوية، مثل الأنظمة الاستبدادية التي تشجبها كثيرا. وهكذا شاركت النرويج في تخريب خطوط أنابيب الغاز نورد ستريم التي تنقل الغاز الروسي إلى أوروبا الغربية، وفقا للصحفي الأمريكي سيمور هيرش، الحائز على “جائزة بولتزر” ومؤلف الكشف عن “مذبحة ماي لاي” في فيتنام وعن أعمال التعذيب في أبو غريب (العراق) وهجوم غاز السارين المزيف في سوريا. 

ليس من غير المبالي أن نلاحظ، في هذا السياق، أن منصب الأمين العام لحلف الناتو كان يشغله رئيس الوزراء النرويجي السابق يانس ستولتنبرغ، من أكتوبر 2014 إلى سبتمبر 2023، أي خلال فترة “حرب القرم” ثم الحرب الأوكرانية. مما لا شك فيه أن النرويج، إلى جانب قربها الاستراتيجي الكبير من الولايات المتحدة، لديها 112 كم من الحدود البحرية مع روسيا، والتي تشكل أيضا إحدى الحدود الخارجية “لمنطقة شنغن”. وهي الحدود البرية الأوروبية الشمالية. 

خطة أرييل شارون لنسف اتفاقات أوسلو. 


عرفات خلال رحلته العلاجية الأخيرة من غزة الى فرنسا (أرشيفية)

سيؤكد دوف ويسغلاس، رئيس ديوان رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أرييل شارون، في مقابلة مع صحيفة هآرتس، أن إخلاء المستوطنات في غزة وشمال الضفة الغربية كان يهدف إلى منع إقامة دولة فلسطينية إلى أجل غير مسمى وذلك بموافقة واشنطن. وهذه مرحلة جديدة في مشروع أرييل شارون الذي يهدف إلى تغيير واقع الصراع مع الفلسطينيين، وبدأ تنفيذه فور انتخابه رئيسا للمجلس في شباط / فبراير 2001. وقد أعد الجنرال الاحتياطي مائير داغان بالتفصيل، في ذلك الوقت، مستشاره للشؤون الأمنية، خطة شارون التي نفذت بمجرد انتخابه رئيسا، وقدمت بالتفصيل لتحييد عرفات، “القاتل الذي لا نتفاوض معه”، وتدمير اتفاق أوسلو، “أكبر مصيبة حلت بإسرائيل”. عملية ذات كثافة متزايدة تهدف إلى عزل الرئيس الفلسطيني تدريجيا محليا ودبلوماسيا. شعر أرييل شارون بخيبة أمل لفشله في القبض على ياسر عرفات أثناء حصار بيروت في يونيو 1982، حتى أنه كان يداعب مشروع إسقاط طائرة تجارية يشتبه في أنها تحمل ياسر عرفات.   

عدواني عميق للفلسطينيين، يعتبر أرييل شارون قاتل الزعيم الفلسطيني. وقد أيد هذه الأطروحة الصحفي الإسرائيلي أمنون كابيليوك، المؤلف على وجه الخصوص للتحقيق الملحوظ في مذابح المخيمات الفلسطينية في صبرا شاتيلا، في ضواحي جنوب شرق بيروت، والتي كان قد أيدها بصفته وزير الدفاع والمفوض لغزو لبنان.  

مساهمة بنيامين نتنياهو في فشل اتفاقات أوسلو.

بنيامين نتنياهو

 في مقابلة عام 2001، لم يكن بنيامين نتنياهو يعلم أن الكاميرات كانت تشتغل، تفاخر بأنه فشل في اتفاقيات أوسلو من خلال تصريحات كاذبة غامضة. وقال: “ٍسأفسر الاتفاقات بطريقة تجعل من الممكن وضع حد لهذا الهوس بخطوط الهدنة لعام 1967. كيف فعلنا ذلك? لم يحدد أحد منا بالضبط ما هي المناطق العسكرية. المناطق العسكرية، كما قلت، هي مناطق أمنية; لذلك، من جهتي، وادي الأردن هو منطقة عسكرية. جلين كيسلر، “نتنياهو: أمريكا شيء يمكنك تحريكه بسهولة شديدة”، واشنطن بوست، 16 يوليو 2010 (اقرأ على الإنترنت). فيديو نتنياهو يتفاخر بهزيمة اتفاقات أوسلو للسلام.

نظرة إلى الوراء على أحدث ما كشفت عنه صحيفة هآرتس. 

بعد ثلاثين عاما من توقيع اتفاقيات أوسلو، سمحت الرقابة الإسرائيلية بنشر كواليس هذه المفاوضات من خلال تسريبات لصحيفة هآرتس، في فيفري 2023.

كانت إسرائيل تحمل تحذيرات قوية ضد ياسر عرفات وسعت إلى التحايل عليه من خلال إقامة قنوات سرية موازية للمفاوضات، لم يكن رئيس منظمة التحرير الفلسطينية على علم بوجودها”. ووصف شمعون بيريز، وزير الخارجية الإسرائيلي في ذلك الوقت، السيد عرفات بأنه “ثعلب” مشككا في “جديته” وفي بحثه عن السلام. “هل يمكننا الاعتماد عليه? “سأل بيريز بإصرار معاونيه. 

قبل عشرة أيام، قال شمعون بيريز للوسيط النرويجي، تاري لارسن: “ينصحنا الكثيرون بعدم التفاوض مع عرفات، لأنه لا يمكن الوثوق به. إنه يغير رأيه باستمرار عندما يجب أن يلهم الثقة”.

وبحسب أوري سأبير، المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية، فإن أحمد قوريع، الذي سيصبح فيما بعد رئيس وزراء السلطة الفلسطينية ونائبه حسن عصفور، قدم ياسر عرفات على أنه “شخصية رمزية، لكن أنانية “تثير الشفقة”. وأضاف:” من المبالغة القول إن ياسر عرفات شخصية مركزية في الحركة الفلسطينية، حيث أن مركزيته مبالغ فيها إلى حد ما، ولا تظهر الواقعية في المجال الاقتصادي.

ومن المفارقات أن وثائق أخرى كشفت عنها صحيفة هآرتس تكشف عن جانب آخر من شخصية الزعيم الفلسطيني: “عرفات يمارس تأثيرا كبيرا على القيادة الفلسطينية وعلى الشعب الفلسطيني بأسره. لديه سلطة غير محدودة قادرة على خلق أو حظر حدث على السكان الفلسطينيين؛ الوحيد القادر على جلب النظام إلى صفوف الفلسطينيين”. 

وفي إشارة إلى كبار الشخصيات الفلسطينية، يؤكد أوري سأبير أن محاوريه أبلغوه بأن ” الدور التاريخي لياسر عرفات هو ضمان عودة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة. بمجرد تحقيق هذا الهدف، فإن خلفائه الذين يسترشدون بالبراغماتية سيفكرون بسهولة أكبر في التعاون مع الإسرائيليين”. 

وثيقة مؤرخة في 27 يوليو 1993، تشير إلى رأي المستشار القانوني للوفد الإسرائيلي، يوئيل سنجر، تصف أحمد قوريع بأنه “رجل ذكي وماكر، يكذب على الجميع لتحقيق غاياته، لدرجة أن شمعون بيريز تساءل كيف يمكنه الوثوق بمثل هذا الرجل”. 

وتؤكد صحيفة هآرتس أن إحدى الوثائق السرية تعطي لأحمد قوريع تأكيدا بأن حق العودة، وهو حق أساسي للمطالبة الفلسطينية، سينقضي بحكم الواقع بمجرد توصل الإسرائيليين والفلسطينيين إلى اتفاق دائم. وبحسب ما ورد قال قريع لمحاوريه الإسرائيليين:” لا تخافوا من هذه النقطة”. 

في وثيقة أخرى، يقترح شمعون بيريز تحويل غزة إلى سنغافورة مع احتمال أن يصبح الجيب الفلسطيني “سويسرا الشرق الأوسط”. عارض شمعون بيريز ورئيس الوزراء إسحاق رابين عودة ياسر عرفات إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة بلقب زعيم منظمة التحرير الفلسطينية، واقترحوا تعديل لقبه والتخلي عن لقبه كقائد للنضال الفلسطيني. سيفوزون بقضيتهم: عرفات سيعود إلى الضفة الغربية بلقب “رئيس السلطة الفلسطينية”. و للكلمة وزنها على أي حرب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى